ما أن فرغ العالم من مونديال (السحر الإفريقي) قبل ستة عشر يوما لا أكثر، حتى بدأت أخبار (الريو 2014) تتقاطر من ريودجانيرو البرازيلية أو العاصمة الحديثة (برازيليا) في استعدادات كبرى على أرض السحر الكروي (الحلال) التي ستحتضن المونديال القادم 2014م، ليبدو لنا الأمر وكأن (جنون المونديالات) هو عالم مستقل بذاته, لا تنتهي منه ولا عنه المتعة والتشويق، إذ إنه عالم لا تهدأ حركته على الإطلاق..!!
ولم تقتصر التحركات على أهل (السامبا) باعتبار بلادهم ستكون المضيف للمونديال القادم، بل قد شهد مثيلها سريعا الجانب الفرنسي ممثلا في إعادة دراسة أوضاع الاتحاد الفرنسي لكرة القدم وتقييم العمل الجاد الباحث عن أسس التصحيح، كما أكدت ذلك وزيرة الرياضة الفرنسية روزلين باشلو.. وذات الأمر ينطبق على تصريحات جيانكارلو أبيتي رئيس الاتحاد الايطالي لكرة القدم، التصريحات المعترفة تماما بالأخطاء المقرونة بتغييرات جريئة لم تقتصر على تولي المدرب تشيزاري برانديلي خلفا لمارتشيلو ليبي صانع إنجاز 2006 م، بل تتعدى ذلك إلى إعادة تخطيط وهيكلة وعد بها لإعادة الازوري إلى حيث يجب أن يكون..!!
اذا كانت تلك الوعود المقرونة بالخطوات الفعلية على ارض الواقع (مبررة) لمنتخبات قدمت عروضا (غير مرضية) في جنوب افريقيا.. فالأمر يتعدى فلسفة انجازات (الترضية) لمن حققوا نجاحات متواترة في المونديال الأخير حين بدؤوا مبكرا للعمل الفعلي للمونديال القادم، فما صرح به رئيسا الوفدين الكوري والياباني وسط الأفراح المشروعة لهما قبيل مغادرة جوهاينسبيرج يؤكد بأن العمل لمونديال الريو2014 قد بدأ قبل مغادرة أراضي (العم مانديلا).. كل هذا، وكأن الفاصل (الزمني) يظل كبيرا فقط في عُرف من لا يشمر عن ساعديه إلا في (الرمق الأخير)، أما أهل الفن والمتعة والحضور المونديالي الدائم فلا (انتظار) يفصل كل مونديال عن سابقه..!
لكن وقبل الشروع في تناول (لب) موضوع هذا الأسبوع أتساءل: هل بالفعل الفاصل الزمني (أربع سنوات) يعتبر فاصلا زمنياً كبيرا يمكن من خلاله تحقيق (حُلم المشاركة) والمشاركة فقط على أرض (الماراكانا)..؟؛ وبعبارة أخرى: هل (الأربع سنوات) القادمة تكفي عملاً وتنظيماً وإخراجاً لكي تجد دولا لا تكاد تكون معروفة على سطح المعمورة كجمهورية مالطا مثلاً وجزر المالديف وسانت كينيس وجزر مارشل وسان مارينو - باعتبار تلك الدول من أصغر عشرة دول على الكرة الأرضية -، هل ستجد لها موطئ قدم على أرض الماراكانا البرازيلية، ولو من باب (رفع العلم) كأقل درجات إيجابيات المشاركة المونديالية.. حتى وإن كان ذلك من باب (أحلام اليقظة) إذا ما تجنبنا الحديث عن أضغاث الأحلام ؟!
من هنا أبدأ محور الموضوع ونقطة ارتكازه، قبل أن أشير أو أؤمن مع القائلين بأن أي دولة مما ذكر لن تبلغ ذلك الحُلم، على الأقل للدول الثلاث الأخيرة؛ كونها لم تفكر ابتداءً في أمر عضويتها بالاتحاد الدولي الفيفا، ناهيك عن أن كرة القدم (الصناعة والاستثمار) كمجرد فكرة رياضية لم تر النور بعد.. لكن؛ ماذا عسانا أن نقول لمن راوده ذات الحُلم بعد أن قرب منه مرة, تحقق له شبيهه مرة ومرات.. وأحدد (أخضر الوطن) فأزيد، ما السبيل لبلوغ (الحُلم المونديالي) في أرض السحر الكروي (الحلال).. ثم لنجيب على تساؤل ذا ارتباط وثيق ولكنه (غير) افتراضي يقول.. هل بلوغ ذالكم الحُلم سيكون بالنسبة لنا.. وسيلة أم هدف أم هدف..؟!!
ولأن منطق العقل يقضي أولا بوجوب التفريق بين أضلاع (ثلاثي) السؤال: الوسيلة والغاية والهدف.. أقول وبالله التوفيق.. أن الوسيلة ببساطة وبعيدا عن أقوال الفلاسفة هي ذالكم النمط من أنماط الحياة (المُتبع) لبلوغ غاية أو هدف.. حيث لا يمكن لها - أي الوسيلة - بمفردها أن تحقق (نجاح) لأي نمط سوي أو سلوك ناجح أو حتى مؤثر في الحياة.. بمعنى (لو) اعتبرنا بلوغ مونديال السامبا 2014 أضحى (وسيلة) لحضور صقورنا الخضر المشاركة، فقط نجير لها الميزانيات ونبذل الغالي والنفيس لتحقيقها.. وما بعدها لا يهم.. فماذا سيكون عليه الحال قبل ذلكم المآل!!
أقول: (لو) كان ذلك في الاعتبار دون النظر (لهدف أو لغاية) فإننا نكون في الحقيقة قد (أجهزنا) مسبقا على (استمرارية حُلم المشاركة) قبل بحث إيجابيتها.. إذ لم نُتبعها بإستراتيجية توضح الهدف الذي نرتقبه كأن نضع نصب أعيننا خطة (طويلة المدى) تضمن (تعاقب الأجيال) للوصول للمونديال دون توقف إجباري، وصولاً للغاية المثلى التي نستطيع ان نحدد معالمها بأن يكون منتخبنا مثلا ليس جزءاً من منظومة منتخبات هامشية (حضورها كغيابها).. تكون الغاية هي تشكيل نواة منتخب عالمي ذي عضوية (دائمة) ومهمة ومؤثرة في الكرة العالمية.. وكلا الأمرين لن يكون لهما محل من الإعراب إذا اعتمدنا وركزنا الجهود واقتصرناها على (وسيلة) الوصول للمحفل العالمي فقط، وأهملنا وضوح الهدف وسلامة الغاية..!!
هنا قد يقول قائل: أليس صحيحا أن (الغاية تبرر الوسيلة) أو هكذا يردد البعض، وهنا - أيضا - أقول إن هذا القول الذي بات يستسهله البعض قاله من قبل وأمن به الفيلسوف الايطالي (نيكولا ميكافيلي) صاحب النظرية الميكيافلية، لكن ذلك نهج (الانتهازيين) وعصابات المافيا وليست نهج الأمم الناجحة المثابرة في أي من نواحي الحياة، فهو - ميكافيلي - يرى بأن الهدف النبيل السامي يضفي صفة المشروعية لجميع السبل والوسائل التي تؤهل الوصول لهذا الهدف مهما كانت قاسية أو ظالمة، فهو لا ينظر لمدى أخلاقية الوسيلة المتبعة لتحقيق الهدف، وإنما إلى مدى ملاءمة هذه الوسيلة لتحقيق هذا الهدف.. فالغاية عنده وعند من يؤمنون بنظريته أو حتى من يرددونها دون دراية بخطورة مبدأها.. تبرر الوسيلة..!!
فمثلا إذا كانت الغاية المعلنة لقادم أخضر الوطن (سليمة الأسس نظريا) في ان يكون منتخبنا ليس هامشياً على الخارطة العالمية للكرة الحديثة، وكانت الوسيلة على أرض الواقع (غير سوية) لا تنظيم لا تخطيط ولا ميزانيات ولا إعادة هيكلة للبرامج، كما فعلت (كوريا واليابان) ولا مراجعة للأخطاء في البرمجة واللجان، ولا كسر للروتين والعمل البيروقراطي ولا بنية تحتية لاستثمار حقيقي يعتبر الرياضة (صناعة) ولا شيء من ذلك.. فعندها سنراوح مكاننا وسينتصر (ميكافيلي) على كل من يؤمن بالمبادئ والمثل والقيم.. وسنظل ننتظر (أمل) المشاركة فقط أن (أُتيحت) لها الظروف من باب ثوّر.. وهي تدوّر..!!
أن بارقة الأمل في تكوين منتخب (قوي) يستخدم (الوسائل المشروعة) لهدف واضح وغاية جليلة، أتت مع القرار الأخير لمجلس الوزراء القاضي باعتماد إنشاء أكاديميات بالأندية القرار الذي سيكون بإذن الله رافداً قوياً لتخطيط سليم.. قادم ... منتظر.
ضربة حرة..!!
الأماني حلم في يقظة.. والمنايا يقظة من حلم..!!