كان السيد آدم عزيز جد السارد في رواية»أطفال منتصف الليل» لسلمان رشدي طبيباً، وقد تعرّف على الجدة حينما كان والدها يستدعيه لمعالجتها من الألم، إذ كان يستخدم ملاءة مثقوبة، يغطى بها جسدها كاملاً، ما عدا الجزء الذي تشتكي منه والذي يراه الطبيب من خلال ثقب الملاءة، وكان طوال شهور يتعرف على جسدها، عضواً عضواً، ويقوم بتركيب الأجزاء في محاولة منه لرسم الصورة الكاملة للجدة التي ستصبح زوجته، بعد أن وقع في غرامها.
هذا الخوف من أن يرى الطبيب جسد المرأة، فترة الثلاثينيات الميلادية في الهند، مازال موجوداً هنا، وفي كثير من المناطق والقرى السعودية، فقد تذكّرت هذا الفصل من رواية رشدي، حينما قرأت خبراً عن مواطن اعتدى على طبيب في مستشفى الطوال الحدودي بمنطقة جازان، حينما سأل الزوجة عن مكان الألم، بما يعني أن مرور قرن من الزمان لم يغيّر الإنسان في جازان وغيرها، عمّا كان عليه في الهند أو غيرها.
أحياناً، أفكّر بردة فعل القارئ الإنجليزي تجاه رواية رشدي التي صدرت في الثمانينيات، وصدمته بسطوة التقاليد والأعراف الاجتماعية في الهند إلى هذا الحد من التحفظ، وكيف ستكون ردّة فعل القارئ هناك لو قرأ مثل هذا الخبر في صحافتنا، وأن مثل هذا يحدث كثيراً، رغم وجود زوج المريضة أو والدها، وكذلك الممرضات، من حولها، ولم تكن وحدها تحت أصابع الطبيب ونظراته!
بل أنه حتى الآن، لم يزل كثير من الناس لا يرغب بأن يفحص الطبيب الرجل زوجته، ويطالب بإيجاد طبيبة لتقوم بذلك، وكذلك الأمر فيما يخص العمليات الجراحية، حتى لو كان هذا الأمر يتطلب تخصصا نادراً وخبرات كبيرة قد لا تتوافر في طبيبة مثلاً، ما قد يؤثر على نتيجة التشخيص، أو نتيجة العملية الجراحية، فقط بسبب تقاليد بالية، لا تدرك أهمية الضرورة الطبية.
الغريب في الأمر، أن هؤلاء لا يثقون بالطبيب الرجل، ولا يثقون بنسائهم أيضاً، ليس بمنعها عن كشف موضع الألم للطبيب، بل عن جعلها تكمل دراستها في مجال الطب، أو العلوم الطبية التطبيقية، أو التمريض، فكيف نقبل هذا التناقض؟ وكيف يمكن توفير طبيبات وممرضات لفحص نسائهم ومعالجتهن؟ طالما أن هو وغيره يرفضون تخصص النساء في مهنة الطب والتمريض؟
رغم ذلك، أعتقد أن آلية التحديث والتمدن في المجتمعات تسير بقوة ويسر رغم وجود مثل هذه العينات من الذكور، الذين ينظرون إلى المرأة من خلال ذهنية»منتصف الليل»، أو»الملاءة المثقوبة» التي استخدمها الطبيب الهندي عزيز، فالأرقام تثبت تزايد عدد الممرضات السعوديات في مستشفياتنا، رغم التحفظ على الارتباط بهن، لأسباب ظاهرية تتعلّق بمناوباتهن الليلية في المستشفيات، وتأخرهن عن منازل الزوجية، أما الأسباب السرّية التي لا يفصح عنها هؤلاء، فأتركها لفطنة القارئ!