بعد نصف قرن من الزمن، لا زال الفن التشكيلي السعودي يقف في حدود «الظاهرة» لتقيده بالأساليب الفنية المعروفة، ومؤثرات المدارس الغربية والتجارب العربية والإنجازات الفنية الحديثة، والتنقل من مدرسة إلى مدرسة ومن تيار إلى آخر، وإعادة إنتاج الآخرين في ظروف جديدة ومختلفة تبرز فيها بعض اللمسات الخاصة وتظهر ملامح البيئة الخارجية بفضل استلهام التراث، إلا أنها تبقى تناصاً مباشراً مع المجال الخارجي يزيد في غربتها، ويعيق تقدمها وخروجها إلى أبعاد خاصة ومميزات شخصية فنية جلية ومضامين محددة، ومن هذه المعوقات ظاهرة الاقتباس، الذي أصبح أسهل الطرق للنجومية والشهرة.
فالاقتباس قد يكون من خلال الفكرة أو التقنية أو الألوان وتأثيراتها أو الخامات واستعمالاتها أو استخدام بعض المفردات والرموز والأشكال.
وأكثر الاقتباسات شيوعاً، الاستعانة بالفكرة والتقنية، بعد إجراء بعض التغيرات وإخفاء المعالم البارزة في الأصل بالتكبير والتصغير وتغير أوضاع المفردات والرموز والأشكال وأماكنها واتجاهاتها وإيجاد مرادفات لها أو مشابهة مثل: البجعة بالصقر والنعام بالجمل وشجرة الصنوبر بالنخلة والرجل بالعقال والغترة والمرأة بالعباية والنقوش الرومانية والأتروسكية بالحروف العربية والكرسي والقبعة بالبيضة والأسانسير بالدرج وقارورة البيرة بمكيال الفشار وقميص النوم بالنفافيخ والكرة الأرضية بالهرم، وهكذا.. وهذه موجودة يمارسها بعض الفنانين لدينا بما فيهم الكبار وحاملو الألقاب المجانية من الرواد والفرسان وصائدي الجوائز، ولا تنفصل في استقاءاتها عن الاتجاهات والأساليب والأنماط الفنية السائدة، أو الجمع بينهم للخروج من ضائقة (اللطش)، حيث لا يألون جهداً في البحث والاطلاع والدراسة والتجريب، وهذا ليس ذنبهم، بل (1) بسبب المطبلين الذين يساهمون في تكثيف وزيادة الضبابية أمام الفنانين.. (2) عدم وجود ممارسة نقدية واعية.. (3) عدم تبلور فهم نظري لطبيعة هذه الممارسة ووجود مفاهيم محددة لطبيعة الأسلوب المتبع للفنانين.. (4) إن الفنان السعودي ليس متفرغاً، إذ هو لا يعيش على فنه فجميع الفنانين أو معظمهم، يشغلون وظائف سواء رسمية أو خاصة، والفنان المنتج يلاقي صعوبات كبيرة، فيجد نفسه أمام ظروف أبعد ما تكون ملائمة لتطويره وتنميته.. (5) عدم وجود لجنة للمواصفات والمقاييس للعمل الفني الأصيل.
وهذا الواقع، يضع التشكيل المحلي أمام عدة تساؤلات لهذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت عادة ومشروعة لدى البعض أخذت تزداد مع غياب الضوابط والمعايير،وتنامي أعداد الفنانين حتى ليكاد يظهر في كل يوم عشرة فنانين يجولون ويصولون في دهاليز الساحة التشكيلية !! هل يتجه للأسلوب أم المضمون؟؟ أم الطريقة والفكرة؟ وبما إن معظمهم هواة وتلقائيون أو معلمون للتربية الفنية، يتنقلون من هنا وهناك ومن اتجاهات ومدارس الفن المختلفة، ليس بقصد الإلمام والمعرفة، بل سعياً وراء البحث عن ذواتهم الإبداعية من خلال الأساليب والتقنيات الجاهزة ونيل الاعتراف بهم كفنانين.
ولن يخرج التشكيل المحلي إلى المستوى الذي يعكس مستويات فنية ذات قيمة إبداعية متميزة، يساهم في الوصول بالفن التشكيلي السعودي إلى مستوى الحراك التشكيلي بمفهومه الشامل:
- إلا إنشاء المعاهد والكليات المتخصصة في الفنون الجميلة، لتخريج فنانين ممارسين لضمان استمرار العطاء الفني المتميز الأصيل وإيجاد نقاد ومؤرخين للمساهمة في الرقي بمستوى التذوق الفني العام والتحقيق وتحليل التجارب الفنية.
ولعل الطريقة التي تتبعها الأستاذة الدكتورة مها السنان، في إيجاد مجموعة من الناقدات في الفنون التشكيلية، جهد مشكور وخطوة مهمة في تاريخ الفن السعودي، واللاتي سيساهمن بإذن الله ثم بالدعم والتشجيع، في توجيه مسار التشكيل السعودي على غرار عصر النهضة الفنية الأوروبية، متسلحين بالعلم والمعرفة والطموح من أجل نقاء ورقي الفن التشكيلي ومحاربة الغش والتزييف ومبالغات (الملمعين والمرتزقة) وقتامة الرؤية لدى أغلب الفنانين والنرجسية التي توقعهم في هذا الخطأ.