أشرنا في العدد السابق إلى أن ساحتنا التشكيلية تزدهر وتزدان بالأسماء التي حققت لها نجومية خلال الفترة الماضية التي تشكلت فيها الساحة وأثبت هؤلاء الفنانين قدراتهم في الحضور ووضعوا لهم موقع قدم على المستوى المحلي والعربي وصولا إلى ما أصبحنا نراه ونتابعه من خلال جهود بعض التشكيليين الشباب نحو العالمية، هذه الأعداد من نجوم الفن التشكيلي أصبحت تبتعد قليلا عما تعودنا منها من نشاط وذلك عائد للكثير من الأسباب من أهمها قناعة هؤلاء بأن الساحة لم تعد كما عهد منها من اهتمام المسؤولين عن المعارض والمناسبات التشكيلية بالإبداع المتميز الذي يستحق أن يأخذ مكانه ومكانته في مسيرة هذا الفن لتحقيق الهدف منه وهو ارتقاء ذائقة المجتمع بأعمال فنية (دسمة) تسر النظر وتحرك الوجدان وتبقى في الذاكرة، تحمل الفكرة وتتضمن الأداء المتكامل مؤثرة في مواضيعها جذابة في تنفيذها، عكس ما أصبحت عليه الساحة اليوم وبهذا الزخم العددي والنوعي في دوامة لا نعلم متى تتوقف أو يستقر بها المسير، وإذا عدنا لتصفح أوراق الساحة ونبحث في مخزونها الجمل الذي لم يغب عن ذاكرتنا أو تغمض عنه الأعين فإننا سنجد من الكنوز الكثير التي تمثلها أسماء لا يمكن أن يتجاهلها أو ينساها أو يغض الطرف عنها من يقدر الفن الحقيقي و يحمل ثقافة ووعي كبيرين تمكنه من تمييز الغث من السمين.
اليوم نستعرض ولو بإيجاز مسيرة الفنان عبد الله الشلتي، مبدع ترعرع في أحضان الجمال فاستقى منه ملامح إبداعه الذي تبنته موهبته الفنية المولودة معه والمسكون بها فكان لها الاهتمام وتطويرها بالدراسة.
الشلتي وملهمته عسير
ولد الفنان عبد الله الشلتي 1372هـ بمدينة أبها بمنطقة عسير التي لا يجد بديلا عن عبير زهورها ورياحينها، عشقها بكل تفاصيلها، جعل من طبيعتها الخلابة مصدر إلهام لا يفارق إبداعه، رسمها أنماط بنا وحياة اجتماعية، جمع أطرافها في أعماله، شكل منها عقدا فريدا يتجدد مع كل لمسة فرشاة وإيقاع لون دون أن يفقد أصالته، اكتشف بعد أن رأت عيناه الواقع كنوزا من التراث لا ينضب عطاؤها، يختزل المشهد ويجمع مكونات (خلطته) الجمالية منذ الصغر، مارس الفن متأثرا بغيره كأي فنان ناشئ واكتسب الخبرة بدراسته في معهد التربية الفنية من معلمين فنانين مشاهير في بلادهم وفي العالم العربي، لم يكتفِ بهذه المكتسبات بل أخذ بعد تخرجه من المعهد يبحث في مخزونه البصري والثقافي عن أسلوبه الخاص الذي يجد فيه منطلقا للإبداع ومساحة من التعبير المحقق لرغبات وجدانه فكان له أسلوبه الذي عرف به انطباعيا لا يماثله أحد في محيطه المحلي، خرج بهذا الأسلوب عن أجواء التكرار الذي يمارسه الكثير ممن يدعون الانطباعية بينما تظهر أعمالهم بخليط من الأساليب إلا أن عبد الله الشلتي اختص بأسلوبه وكسب الجوائز وإعجاب المقتنين.
هتان مطر من الألوان ينساب على اللوحة فيشعرك بالانجذاب، إيحاء لوني شفاف يخفي الشكل ويظهره في مشهد واحد، تتحد لمساته عندما نراها عن بعد وتتجلى عند اقترابنا منها، جذبته ألوان الجبال وألهمته سحب عسير وأمطارها فرسمها عشقا، أصبحت لوحته إمضاء له أكثر من إمضائه عليها، وأصبحت عنوان للشلتي أكثر من أي موقع جغرافي. تتجدد أعماله في كل معرض وإذا حضرت أثارت الدهشة والإعجاب.
monif@hotmail.com