لأنَّ العرب، كلَّ العرب ليس لديهم أجندات، وثأرات مؤجلة مع العراق والعراقيين، ولا أطماع تسعى لتحقيق مخططات لبعث ماضٍ إمبراطوري مقبور، فإنَّ كلَّ العرب سُعدوا بالحراك السياسي العراقي والعربي الذي شهدته دمشق، والذي توَّجه لقاء قائدي القائمة العراقية الدكتور إياد علاوي ومقتدى الصدر قائد التيار الصدري. فهذا اللقاء الذي سبقه واتبعه لقاءات أخرى مع الرئيس بشار الأسد الذي حرص على أن يجتمع بالزعيمين العراقيين قبل وبعد لقائهما كلٌّ على انفراد، يُعَدُّ من أهم اللقاءات بين قادة الكتل العراقية، لأهمية وثقل الزعيمين، ولقوة وتأثير كتلتيهما السياسيتين. فالقائمة العراقية هي القائمة الأكبر في البرلمان العراقي المنتخب، وإنها تضم أبرز رموز المكون السني، كما أن التيار الصدري الذي يقوده مقتدى الصدر يعدُّ أكبر المكونات السياسية في الأحزاب الشيعية. فهذا التيار الذي يمثل تكويناً سياسياً يضم «فقراء شيعة» والملتزمين بخط «الإمام الصدر» والد مقتدى الصدر يشكِّل نوابه أكبر عدد من بين القوائم الشيعية في البرلمان العراقي الجديد. وهو إن انضوى تحت لواء الائتلاف الوطني الشيعي، إلا أنَّه له خطه السياسي المستقل، وله مواقفه وآراؤه التي لا تتطابق بالضرورة مع آراء ومواقف قادة الائتلاف الوطني، بل وتتعارض إلى حدِّ الصِدَام، وهو كثيراً ما حصل في عهد حكومة نوري المالكي المنتهية ولايته، وتعرض أعضاء التيار بل وحتى رئيسه إلى مطاردة أجهزة أمن المالكي.
وقد أصبح التيار الصدري «قبة الميزان» في أي معادلة سياسية لتمثيل المكون الشيعي، إذ أعطت الانتخابات الجديدة أربعين مقعداً للصدريين، وهذا ما جعلهم مقصداً ومطلباً لباقي الكتل السياسية، فالكل يطلب وِدَّهم، ولأنَّهم أصحاب موقف مبدئي ثابت، خصوصاً فيما يتعلق بضرورة عدم التجديد لنوري المالكي لفشله وفشل حكومته في تحقيق المصالحة الوطنية وتحقيق الخدمات للمواطنين، ولأنَّهم رفضوا كل الإغراءات فقد فشلت كل محاولات فرض نوري المالكي رئيساً للحكومة مرة ثانية وكانوا السبب الرئيس في فشله. ولهذا فإنَّ اجتماع وتفاهم زعيم التيار الصدري مع زعيم أكبر قائمة سياسية في البرلمان يبشر بانفراج قريب للأزمة العراقية، خاصة وأنه عقد في محضن عربي لا يستهدف إلا المصلحة العراقية المتمثلة في الحفاظ على وحدة الأرض والمواطن والثبات على الهوية العربية.
***