تعز فلا إلفين بالعيش متعا |
ولكن لوراد المنون تتابعا |
صفاء الدنيا قليل وأكدارها كثيرة، يتعاقبان على بني البشر، وهذه حال الدنيا وأهلها منذ أن خلقهم وأوجدهم يسيرون على أديم هذه الأرض والتقلب في مناكبها سعيا في طلب معايشهم، وقضاء حوائجهم، وتسريح نواظرهم في آفاقها، والتأمل في ملكوت السموات والأرضين ليزداد إيمان من كتبت له الهداية وحسن الختام، وفي النهاية يتعقبهم هادم اللذات ليرحلوا إلى عالم الأموات جماعات وفرادى أجيال بعد أجيال إلى يوم النشور يوم يبعث الله جميع الخلائق للمناقشات والحساب، فمنهم شقي وسعيد، فآجالهم مغطاة في ضمير الغيب لا يعلمها إلا خالقهم خالق السموات والأرضين.
|
ففي الصباح الباكر من يوم الأربعاء 4-7-1431هـ لحقت أم عبدالرحمن ببعلها شقيقي الأخ ناصر الذي سبقها إلى مراقد الراحلين منذ وقت قريب. رحمهما الله ليتزامن شروق وطلوع شمس ذاك اليوم على أرجاء الكون الفسيح مع طلوع روح زوجة أخي سارة بنت محمد بن ناصر العمراني، ومغادرتها جسمها الطاهر بعد معاناة طويلة الأمد مع عدد من الأمراض المتنوعة -تغمدها الله بواسع رحمته- ولقد انطفأت شمعة مضيئة في أرجاء منزلها، فعلت أصوات الأطفال حزنا وتأسفا على فراقها وبعدها عنهم، وعم الحزن والبكاء أبناءها وبناتها، وأخواتها وإخوانها، بل ومحبيها لمكانتها العالية في قلوبهم وبين جوانحهم، ولقد عاشت ابنة خالتي في بيئة صالحة تزرع الود والوئام بين الأسر والأقارب، والعطف على الأطفال والأيتام والأرامل، والتواصل بين الأرحام والأقارب والجيران، كما كان لرحيل زوجها وغيابه عن ناظريها بالغ الحزن والأسى ساورها طيلة فقدها له حتى لحقت به -كما أسلفنا- ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:
|
فكل قرينة لابد يوما |
سيشعب إلفها عنها شعوب |
ولقد خلَّفت ذرية صالحة محبة للبذل في أوجه البر والإحسان، بنين وبنات تجدد ذكر والديهما بحسن التعامل مع أسرهم ومع بني وطنهم، وبإخلاص الأبناء في أداء رسالتهم العملية والوظيفية التي تسنَّموها عن مقدرة، وما من شك أن القدوة الحسنة والتربية الصالحة للأبناء والبنات تؤتي ثمارها يانعة وتأخذ بأيديهما إلى بر الأمان والفلاح ليكونا لبنات صالحة في بناء مجتمعاتهم، كما لا أنسى أفضال أم عبدالرحمن ورعايتها لخالتها والدتي لطيفة بنت عبدالرحمن العمراني -رحمها الله- حيث استأذنت هي وشقيقي الأخ ناصر مني ومن عقيلتي أم محمد بأخذها إلى منزلهما بالرياض لتكون على مقربة من المصحات المتخصصة عند اللزوم، ولتقوم بخدمتها ورعايتها في آخر حياتها داخل المنزل، من غير تقصير من زوجتي أم محمد التي ظلت تخدمها منذ تربعها على عش الزوجية بمنزلنا في حريملاء أعواماً مديدة متعها الله بالصحة والعافية فهي بجانب رعايتها أي -أم عبدالرحمن- تقدم لها بعض الأدوية الشعبية مأمونة العاقبة، وقد اشتهرت -رحمها الله- في الأوساط العائلية ولدى جيرانها بالمهارة في الطب الشعبي الذي ورثته هي وبعض إخوتها وأخواتها من والدها الشيخ محمد بن ناصر العمراني الشهير بطب العيون وبعض الأمراض التي قد تستعصي على مهرة الأطباء..!، ومن الطريف أنه قد ذهب ب(أبو ناصر) إلى الولايات المتحدة لكي يكوي بالنار شخصا من علية القوم حينما حار بعض أطباء ولاية بوستن الأمريكية، وعندما عاد ذاك الشخص الحبيب قابلته في مناسبة من المناسبات فسألته: هل استفدت من كي أبوناصر العمراني فأجاب: استفدت كثيرا، وعاش بعد ذلك مدة طويلة، رحم الله الجميع، ولقد جرنا الحديث إلى التطرق للطب الشعبي ليعلم أنه رافد قوي للطب الحديث، ولاسيما في بعض الأمراض كمرض العيون، والعنكبوت، وما تسمى (الحبة أو النفرة) في عرف أهل نجد..، وهي تنشأ في أحد أجزاء الرأس داخل الأذن أو الحنجرة أو الخياشيم، وتنتهي غالبا بالوفاة إذا لم يبادر بكي صاحبها في مجمع عروق الرقبة الملاصقة للرأس مع التقيد بالحمية التي ينصح ويوصي بها الطبيب الشعبي، ولقد عانت أم عبدالرحمن من الأمراض ما الله به عليم، حيث ترددت على كثير من المصحات والعيادات الطبية عل الله يمنحها فسحة في عمرها، ولكن المقدر لها في اللوح المحفوظ من أيام الدنيا قد انتهى تماما الساعة السادسة والنصف من صباح يوم الأربعاء 4-7-1431ه حيث فرت روحها الطاهرة إلى بارئها، وقد أجاد الشاعر حيث يقول:
|
وإذا المنية أنشبت أظفارها |
ألفيت كل (وسيلة) لا تنفع |
ومما آلمني وزاد تراكم الأحزان في نفسي وعلى قلبي ما شهدته من تأثر شديد في أبنائها، وبكاء مر من بنياتها أثناء التعزية ومواساتهن، ولك أن تتصور حالهم جميعا وما بداخلهم من لوعات الفراق حينما يتوالى دخولهم ذلك المحضن الذي ألفوه وقضوا فيه أحلى أيامهم وذكرياتهم، وقد خلا من أنيسه ونوره (والديهم) كان الله في عونهم.
|
ووحشته حتى كأن لم يكن به |
أنيس ولم تحسن لعين مناظره |
تغمدها الله بواسع رحمته وألهم ذويها وأبناءها وبناتها وإخوتها وأخواتها ومحبيها الصبر والسلوان.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
|
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف |
|