إن من مفهوم المواطنة هو ترسيخ الولاء في ظل الثوابت الإسلامية فطاعة ولي الأمر والامتثال لأوامره في الجوانب المعنوية والسلوكية من خلال أعمال وأفعال تصب في خدمة الوطن تعتبر من أعلى درجات تحقيق مفهوم المواطنة، فأستاذنا فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي -رحمه الله- هو من ذلك الجيل الذي تعامل مع المواطنة وفق هذا النهج واستطاع أن يجعل لشخصيته حضوراً في أداء وظيفته بعمل دؤوب وبصمت بعيداً عن التعالي وحب الذات رافضاً أن يحقق لنفسه مكاسب معنوية أو مادية حتى وإن كانت تدخل في المصدر الحلال، ووزارة الشؤون الإسلامية ممثلة بمعالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ يدركون ذلك ومحيطين بأدائه المتميز ونكرانه لذاته وتضحياته بوقته الذي يتجاوز دوامه الرسمي، كل ذلك في سبيل أن يقدم أداء وظيفياً راقياً يقطف من خلاله أعمالاً ومعطيات تخدم الوطن، فعندما أسندت إليه الوزارة وكالة الأوقاف، علم جيداً أن هذا العمل حساس ويحتاج إلى رجل تتوفر فيه الكفاءة والنزاهة لأن مغريات الوقف كثيرة والنفس ضعيفة وكان عند حسن ظنها حيث تفاعل مع الوقف ومؤتمراته وما تمخض عنها من توصيات ونتائج التي تحولت إلى أعمال على أرض الواقع وبمتابعة مستمرة منه -رحمه الله- التي ثمنها له وزير الشؤون الإسلامية والتي صبت مع الجهود الأخرى التي تقوم بها الوزارة في الارتقاء بالوقف وجعله عنصراً يسهم في خدمة التنمية في المملكة العربية السعودية والذي تكلل بموافقة مجلس الوزراء في إنشاء هيئة مستقلة تعنى بالوقف الذي على ضوئه عملت الوزارة في اختيار الكوادر التي سوف تكون نواة لتأسيس هذه المؤسسة، وكان من المرشحين لها الدكتور عبدالرحمن -رحمه الله- إيماناً من المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية لما قام به من جهود وأعمال خارقة للعادة ولكن إرادة الله فوق كل شيء حيث باغته الأجل يوم صباح الجمعة 27-7-1431هـ وانتقل إلى رحمة الله وكانت فاجعة للجميع أهله ومحبيه وأصدقائه وزملائه والمسؤولين في الوزارة بل جميع أبناء هذا الوطن ولكن لا راد لقضائه.
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} فلله ما أخذ ولله ما أعطى. أيضاً من الأمور التي اتصف بها رحمه الله بره بوالديه وأسرته كافة فقد أبى على نفسه إلا أن يكون قريباً منهم حيث كان يسكن مع والديه ولم يفكر يوماً قط أن يكوّن لنفسه سكناً مستقلاً عنهما فقد كان يقول» (سعادتي أن أشاهد والدي كل لحظة لعلي أبر بهما لأنهما مصدر سعادتي). كذلك حرصه الشديد التواصل مع أفراد الأسرة كافة فمزرعته بطريق الخرج (هيت) هي ملتقى الأسرة الأسبوعي فجميع أفراد الأسرة يحرصون على الحضور والانتظام لما يجدونه من كرم وطيب المعشر ودماثة الخلق وتفقده لأحوالهم، أيضاً لم يتوقف كرمه وتواصله مع أسرته بل جيرانه لهم نصيب في ذلك، يتواصل معهم ويدعوهم لزيارته في مزرعته وأذكر بهذه المناسبة تكرار زيارته لأخي المجاور له في مزرعته ففي يوم من الأيام كنت في زيارة لأخي وإذ به يقبل علينا ويدعونا لحضور مناسبة عنده وبدورنا قمنا بتلبيتها وعندما ذهبنا لم نجد أحداً سوى أنا وإخواني وبعض إخوانه تعمداً منه بتكريمنا لأنه سبق أن ألح علينا أكثر من مرة ولم نجب دعوته فالتجأ إلى هذه الحيلة كل ذلك في سبيل إظهار مودته وحبه لنا. رحمك الله يا أبا مرام وأسكنك فسيح جناته وألهم والديك وابنتيك مرام ولولوة وإخوانك محمد وعبدالعزيز وفيصل وحمد وجميع أسرة المطرودي كافة الصبر والسلوان.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
منصور إبراهيم الدخيل - مكتب التربية العربي لدول الخليج