قد تقع بالحرج وتصاب بالحيرة حين يسألك شخص ما عن سلوك شخص آخر وأخلاقه وأمانته والتزامه واستقامته أو وضعه المادي. وقد يكون سبب سؤاله لمصالح، أو لارتباطات دنيوية كوظيفة أو سلفة أو زواج، أو حتى مدى استحقاقه زكاة مال أو صدقة، وربما يكون هذا المرء قريبك أو صديقك أو جارك أو زميلك في العمل ! وتتطلب الإجابة عن سؤاله الدقة والمصداقية والأمانة وتحمل المسؤولية؛ فحين تزكيه وتثني عليه من باب حسن النية، أو من وجهة نظرك، أو بحسب معاييرك الشخصية - بينما هو في الواقع لا يحظى بهذه التزكية بحسب المقاييس العامة أو الشروط المعروفة لدى الناس، أو للمهمة التي سيتقلدها - فإنك تكون قد وقعت في ورطة كبيرة، وأدخلت في ذمتك أمرا لا تعرف كنهه، ولا تدرك أبعاده.
والواقع أن الشهادة لامرئٍ ما، تحتاج إلى تروٍّ وحكمة وتدبر، ونظرة في العواقب، ومسؤولية عظيمة. وكثير من الناس قد وقع في مأزق الثناء على شخص فأخلف توقعاته، أو لم يكن بالصورة الظاهرة التي يراها عليه (مدْخَله ومخرَجه) لاسيما في وقتنا الحاضر الذي قد تفشَّى فيه النفاق والتحايل والمراء والتدليس، والظهور بصورة قد تخفى حقيقتها عن الناس حتى الأقارب تحت أقنعة دينية أو أخلاقية غير صحيحة. وهناك شروط عامة يجب توافرها عند الشهادة لشخص ما، ويمكن الاتكاء عليها حين يضطر المرء للشهادة له، وقد ورد عن عمر -رضي الله عنه- توضيح لتلك الشروط.
عن خرشة بن الحر قال: (شهد رجل عند عمر بن الخطاب، فقال له عمر: إني لستُ أعرفك، ولا يضرّك أني لا أعرفك، فائتني بمن يعرفك. فقال رجل: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين. قال عمر: بأيّ شيء تعرفه ؟ فقال: بالعدالة. قال عمر: هو جارك الأدنى تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه ؟ قال: لا. قال عمر: فعامَلَك بالدرهم والدينار الذي يُستدلّ به على الورع ؟ قال: لا. قال عمر: فصاحَبَك في السفر الذي يُستدَلّ به على مكارم الأخلاق ؟ قال: لا. قال عمر: فلستَ تعرفه ! ثم قال عمر للرجل: ائتني بمن يعرفك).
والحق أن الاستعجال بالجواب في المعرفة، أو الشهادة لشخص ما بالعدالة أو الصدق أو الإخلاص أو حتى بالتدين والالتزام، وعدم التروّي أو الاعتذار في الجواب عن السؤال بهدف التخفيف على الناس أو السرعة في إنهاء أمورهم وتعجيل قضاء مصالحهم لا يستوجب القطع بالمعرفة أو إطلاقها ما لم تنطبق عليه شروط المعرفة الحقيقية، فالشهادة لشخصٍ ما تتوقّف عليها مصالح العباد، وقد تفضي إلى مفسدة، أو غرر أو ضياع حق، أو زواج فاشل أو وضع شخص غير مناسب في وظيفة لا يستحقها فيظلم نفسه، ويجور على الناس. وهنا يحسن الاعتذار بعدم المعرفة بكل شجاعة مهما كانت قرابة الشخص ما لم يكن على دراية بدواخله، وعدم تحميل الذمة مالا تحتمله.
وما يؤسف له في بلادي وجود أشخاص متخصصين بالتعريف بمقابل لمجهولين عنهم، يقفون أمام كتابات العدل والمحاكم الشرعية يقومون بالتعريف لبعض الناس أو الشهادة لهم،لا سيما للمرأة حيث يلزم وجود معرف لها حتى لو من غير أقاربها برغم حملها بطاقة الهوية الوطنية، وهذا الأمر خطير وقد يفضي لمفسدة أو يتم به استلاب الحقوق. والأمر يتوقف على الورع والتقوى وعدم المجاملة أو الانعتاق من الحرج أو بناء علاقات شخصية على حساب حقوق الناس!
أمران وأمران:
(أمران تضر الزيادة منهما والنقصان: الطعام والشراب. وأمران تَحسن الزيادة منهما ويضر النقصان: العبادة، والإحسان).
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com