لا تصدق أن الناس سيتبعون أو يؤيدون من يفكر لإحداث حلول لا تمس حاجاتهم التي تلح عليهم الآن.. أو أنهم سيحبون هذا الذي يملأ فضاءهم بالكلمات الحالمة ويعدهم بمستقبل وردي وإن صدق في نيته، ويتجاهلون الذي يعطيهم حلولاً فورية لمشكلاتهم حتى وهو يستغلهم وينتهز ظروفهم.
الجائع لا يهتم بما تقوله عن وفرة الغذاء غداً، إن لم يتحصل الآن على ما يسد جوعه ويبقي على حياته، ودائماً عندما يكون صوت الجوع والفقر هو الأعلى، فأي إنسان أو نظام يضمن القضاء على هذا الصوت أو تحييده، سيكون بلا شك هو الأفضل في وقته، وهو الذي سيلتف الناس حوله ويتبعونه ويقاتلون لأجله حتى ولو كان لا يملك ما يملكه غيره من رؤى إستراتيجية بعيدة المدى.
الناس عامة لا تهتم بما يحدث في المستقبل وهي تموت دون تحقيق حاجاتها، فهي تتحرك بفعل ضغط وتأثير حاجاتها الآنية، الذي يقول إن العامة تحركها عواطفها لا عقولها صادقة، فالعقول تقف عاطلة عند طرق ما يؤثر على مشاعر الإنسان الفطرية كالجوع والخوف والرغبة في الحياة، ففي أي بلد يعيش أهله تحت رحى حرب أهلية أو طائفية أو أي نزاعات للسلطة، الناس لن يتبعوا إلا من يملك حلولاً فورية تحقق الأمان لهم، وتضمن سلامتهم، وعلى هذا تقاس الأمور، الحاجات الآنية للناس هي التي تفرض ميلهم أو دعمهم لهذا النظام أو ذاك، وما يقال بعد ذلك من شعارات تتحدث عن الرؤى والمستقبل الواعد وغيرها هي من الكماليات في عين من يكتوي بنار حاجته الآنية التي لم تتحقق بعد.
لا أتصور وأنت تدفن قريباً أو عزيزاً عليك، أنك ستحب هذا الذي يحاول أن يفتح لك نوافذ للثراء والكسب المادي في المستقبل وإن قال صواباً، أو عرض خططاً تحقق ما يقوله، لكنك بكل تأكيد ستحب وتتجذب إلى من يواسيك في مصابك ويخفف عنك ألمك وإن قال كلاماً لا معنى له، لأنه يحاكي حاجتك التي تلح عليك الآن.
فالحديث إذاً عن المستقبل الواعد والعائدات المالية المتوقعة وما تشكله من فائض لا يعني المرء وهذا يرى من يتسكعون في فضاء البطالة.. الواقع ينثر مشكلات لا يخففها أمل بمستقبل مرسوم على ورق بعناية وبرومانسية لا تحاكي ألم ما يحدثه الواقع؛ وتبقى الحقيقة أن لا صوت يعلو على صوت الحاجة.. والله المستعان.
(*) naderalkalbni@hotmail.com