من يفرض عليه أي ظرف لمراجعة جوازات الرياض هذه الأيام سيكتشف حقائق هي:
أولاً: أنّ الزمن سيعود بك إلى زمن بداية الطفرة الاقتصادية منتصف التسعينات الهجرية والسبعينات الميلادية عندما كانت إدارة الجوازات في المربع جنوب الموقع الحالي، وكانت تضم الجوازات والأحوال المدنية وسجل المواليد: وكان المراجعون يصطفون طوابير من الصباح وحتى المساء، والاختناقات لا حدود لها وإجراءات استخراج الجواز يمر بمرحلة طويلة ومعقّدة حتى ضجّ المجتمع وزاد الاستياء من آليات عمل تلك الإدارة.
ثانياً: يعود بك الزمن لتلك السنوات الأولى من الطفرة الاقتصادية المباني التقليدية وغياب التقنيات والإدارة التنظيمية والتطوير الذاتي للموظفين... إدارات حيوية وحساسة تعمل في القبو, وإدارات فاعلة تكتظ بالموظفين والمراجعين وتعجز عن استيعابهم، وإدارات تعمل بلا منهجية واضحة للمراجعين.
مبنى من ألواح الاسمنت والزجاج والديكورات الخشبية قد لا يصمد إمام هذه الأعداد الهائلة... كما أنه فقد بريقه وجماليته، ولا يليق بجوازات عاصمة لدولة فتية وقوية مالياً واقتصادياً، وتسعى إلى منافسة العواصم الأوروبية الكبرى...
ثالثاً: أنّ رياح التغيير والتطوير كان قد مر بالجوازات قبل سنوات، لكنه تراجع إلى البدايات الأولي، في حين تعيش إدارات الدولة نهضة عمرانية وإدارية تنافسيه، من حيث الطراز المعماري وآليات العمل وسرعة الإنجاز والتوسع في التقنية، أما الجوازات فتراجعت إلى الوراء خطوات عدة....
لا يحتاج أي مراقب أو ناقد أو فاحص إلى أي جهد حتى يكتشف موقع الخلل!! بالتأكيد إنّ أنظاره لا تتجه إلى الموظفين أياً كانت مستوياتهم ورتبهم وتأهيلهم.. في الجوازات الموظفون هم السمة الساطعة والإيجابية، يبذلون فوق طاقتهم ويقدمون تفانياً وإخلاصاً للإنجاز، لكنهم لا يستطيعون إنجاز مصالح المواطنين والوافدين في ظل حجم وكمية العمل، مقابل تواضع الإمكانيات البشرية والفنيية والمساحة المكانية المتاحة.
المشكلة الحقيقة في الجوازات تمكن في الموقع (المقر) الذى ضاق بموظفيه وحدّ من قدراتهم، إضافة إلى آليات وهيكلية العمل... المخاوف الأمنية مقدمة على أي اهتمام آخر وهذا لا جدال فيه مما يدفع إلى المركزية، لكن لا يكون مبرراً لبقاء الجوازات على وضعها الحالي.. بالإمكان تخصيص إدارات لجوازات سفر السعوديين... وإدارة للوافدين من المقيمين وغيرهم تتعلّق في جميع إجراءاتهم خروج وعودة ونهائي والتجديد ونقل المعلومات... مع الاقتداء بالأحوال المدنية والشرط والبلديات والتعليم، وغيرها ممن وزع إدارات فرعية على مدينة الرياض تصل إلى (8) و(15) من المكاتب فرعية.
الجوازات واجهة حضارية أمام الآخرين والحاجة إليها دائمة، فالصمت عنها وتركها بهذه الصورة هو إهمال أو تراخٍ في إنجاز التطوير والتحديث، وإهمال لتوجُّه الدولة بالدخول في الحكومة والتعاملات الإلكترونية.
إذا خذنا بالمؤشرات لما في داخل مبنى الجوازات، فيمكن التقاط المشاهد والصور والبانوراما السريعة للأرصفة المحيطة بإدارة الجوازات والممرات المؤدية إليها وجدرانها الخلفية، فقد تحوّلت إلى سوق شعبي وحراج ودلالة ومباسط للخضار والملابس والتمر والخردة.. فهل هذا وجه حضاري لمراجعي الجوازات على اختلاف مهنهم ومناصبهم وتأهيلهم؟؟ فالمسمار الأخير دق في مبنى الجوازات منذ زمن طويل، والآن يدق المسمار الأخير في الإجراءات!!