المهندس خالد بن عبدالله الحقيل المدير العام لشركة النقل الجماعي (سابتكو) أجاب على مقال كنت كتبته بعنوان (النقل الجماعي وتغطية الشمس بغربال)، تحدثت فيه عن غياب النقل العام في المملكة، ومسؤولية شركة النقل الجماعي عن هذا القصور. الرد كان واضحاً ومقنعاً، ويضع كثيراً من النقاط على الحروف، على اعتبار أن بعض الخدمات التي تضطلع بها الشركات في كل بلاد الدنيا، ومنها خدمة النقل العام داخل المدن، لا يمكن أن تستمر ما لم تتلق الشركة المعنية بتقديم هذه الخدمة دعماً من الحكومة. فشركة الكهرباء - على سبيل المثال - لا يمكن أن تضطلع بخدماتها، وتواكب التوسع الكبير والتطور في المملكة دون أن تحظى بإعانات من الدولة، سواء كان الدعم مباشراً على شكل إعانات، أو غير مباشر على شكل تسهيلات واستثناءات.
يقول المهندس خالد في رده: (إن خدمات النقل العام داخل المدن خاسرة في كافة دول العالم، فحسب دراسات الاتحاد العالمي للنقل العام تحتاج هذه الخدمات إلى تغطية 75% من تكاليف التشغيل ولذلك تقوم الحكومات بتقديمها بصورة مباشرة أو غير مباشرة لحاجة هذا الأسلوب من النقل إلى استثمارات ضخمة وإلى تكلفة تشغيل عالية تمكيناً لها من الاستمرار في تأمين خدمات حضارية، وعلى هذا الأساس كانت الدولة تقوم بدعم الشركة في بداية عملها مقابل الخسائر التي تتحملها في خدمات النقل العام داخل المدن الأمر الذي ساعدها حينها في نشر خدماتها وتوسيع نطاقها وتشغيلها في معظم المدن الرئيسة في المملكة وعلى درجة عالية من الجودة والكفاءة ولكن ومنذ عام 1419هـ تم إلغاء الإعانة الحكومية الأمر الذي اضطرت معه الشركة وفي ظل التغيرات الاقتصادية وانعكاساتها على تكاليف التشغيل والصيانة والزيادة المتصاعدة في أسعار المركبات وقطع الغيار والعمالة على كافة المستويات وما يتبع ذلك من خدمات مساندة لأعمال التشغيل إلى مراجعة جداول تشغيلها وتقليص خدماتها في تلك المدن لتخفيض خسائر التشغيل المترتبة على مساهميها من المواطنين الذين يزيد عددهم عن 45.000 مساهم ويملكون 85% من أسهم الشركة).
وهذا يعني أن الجهة المسؤولة عن غياب هذه الخدمة الضرورية والملحة والحضارية هي (وزارة المالية) على وجه التحديد؛ فغياب الدعم والإعانة أدى إلى غياب هذه الخدمة. أو بمعنى آخر، ومختصر، أن القصور في الخدمات سببه عدم اضطلاع وزارة المالية بدورها (المساند) الأمر الذي أدى إلى غياب الخدمة.
أعرف أن وزارة المالية سوف (تطنش) كما هي العادة، ولن ترد، وكأن الأمر لا يعنيها، فهي تماماً مثل (أبو الهول)، مكانته تنطلق من قيمتين: تاريخه المغرق في القدم، وصمته المطبق. لذلك لا تكترث كثيراً بما يُكتب عنها، ولا الاتهامات الموجهة إليها.. الفرق بين (أبو الهول المصري)، (وأبو الهول السعودي) أن الأول يخضع بين حين وآخر إلى بعض الترميمات التي تحافظ على بقائه وحضوره وصورته (كمعلم أثري)، أما (أبو الهول السعودي) فبينه وبين التجديد، والترميم، ناهيك عن التفاعل مع الحاضر، و(الشفافية)، عداء وكراهية مزمنة، لذلك فوزارة المالية منذ عبدالله السليمان، وزيرها المؤسس، وحتى إبراهيم العساف الوزير الحالي، هي كالقلعة المصمتة، من في داخلها يَحرم عليه الحديث عما يجري فيها، ومن في خارجها ليس له إلا احترام (صمتها و وقارها) والصمت في حرم الجمال جمال كما يقول نزار؛ وعلى ما يبدو أن هذه المؤسسة العتيدة تفضل التعامل والاستثمار في الذهب على غيره من المعادن عملاً بالحكمة المشهورة؛ لذلك استثمرت في الصمت، واتخذت من (أبو الهول) مثالاً يحتذى.
إلى اللقاء.