Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/07/2010 G Issue 13807
الأحد 06 شعبان 1431   العدد  13807
 
السياحة والمشاريع الصغيرة
فالح محمد الصغير*

 

ما إن يقرب الصيف إلا ويتجدد الكلام عن السياحة، حيث أصبحت جزءا من حياة الفرد، والأسرة، فما إن تبدأ شمس الصيف بالحرارة إلا وتبدأ نقاشات الأسرة وحواراتها في قضاء إجازة هذا العام وكيفيتها وبخاصة مع صعوبة

حجوزات الطيران في السنين الأخيرة حتى بين مطارات الداخل.

لن أتحدث هنا عن ما هي السياحة من حيث مدلولها اللغوي، أو دلالاتها في القرآن الكريم وفي غيره فقد فصلت ذلك في مقال سابق، ولكن سآخذ أحد هذه المدلولات وهو ما تعنيه السياحة من الانتشار والسير في الأرض، ولذلك فالسياحة بمفهومها المتعارف عليه من السفر والتنقل بين الأماكن المختلفة مع ما يصاحب هذا التنقل من برامج متنوعة قد تكون تعليمية أو عبادية أو ترفيهية أو دعوية أو صلة قربى ونحو ذلك.

لقد نشطت السياحة في هذه السنين الأخيرة في مختلف أنحاء العالم لكنها تزداد عندنا- في منطقة الخليج - في كل عام وهذا يستدعي ويستجلب كثيراًُ من هموم السياحة، والرقي بمفهومها، واشتمالها على ما يحقق أغراضها الإيجابية على الفرد والأسرة، والمجتمع، وما يعود بهذه الآثار بعدها مع تخفيف ما ينتج عنها من آثار سلبية خاصة وعامة، وهنا سأترك للقلم مساحة للحرية بأن يكتب شيئاً من هذه الهموم الذي آمل أن تجد صدى إيجابيا في التعامل مع السياحة، ولتكن على شكل عناصر متنوعة، أسطرها فيما يلي معلوناً لكل عنصر بعنوان يدل على مضمونه من قريب أو بعيد:

نعمة: من أجل النعم بعد نعمة الهداية والتوفيق أن يرزق المسلم ما يستطيع أن يقوم به في كثير من جوانب حياته من القدرة البدنية، والمالية، والتفكير السليم، والاستفادة من التجارب والخبرات، واستثمار جوانب الحياة المختلفة، وتفعيل القدرات والمواهب، وغيرها.

واستطاعة الفرد مع أسرته أن يقوموا بسياحة مستمرة من أجل النعم التي يتحتم عليها شكر الله تعالى عليها ومن ثم استثمارها الأمثل.

أول مجالات هذا الاستثمار شعور المسلم بأن هذا العمل يأتي ضمن برنامجه الحياتي فهو جزء من الحياة التي يضيف فيه لبنة إيجابية يرجو ثمارها اليانعة عليه وعلى أسرته.بين مفهومين: في كثير من مجالات حياتها تضيق وتتسع دوائر تعاملنا معها بحسب مفاهيمنا لها، وأجد عند التأمل من ضمن هذه المجالات: السياحة التي تضيق وتتسع بحسب مفهومنا لها، وأعرض هنا نمطين من أنماط تعامل بعض الناس:

الأول: من وسع مفهومها، وجعل السياحة تحرراً من كثير من القيود التي يرى أنه مقيد فيها في وطنه ويشير من قرب أو بعد لبعض القيود النظامية، أو الشرعية أو بعض الأعراف والتقاليد، أو يمزج بينها دون تفريق، ومن ثم يطلق لنفسه العنان حتى في كثير من المشكلات والمنهيات التي يحمل من خلالها آثاراً سلبية قد تعود عليه في سائر شؤون حياته بل وتعود على أسرته ومجتمعه.

الثاني: من ضيق المفهوم، وأصبح التبرم من كل شيء ديدنه، والتأفف سجيته، معنوياً ومادياً حتى تتمنى أسرته الرجوع إلى مقرهم، سالمين من كل تأنيب وتوجيع، وتسبب في الخسارة المادية والجهد البدني والعقلي وتفويت الفرص عليه بسبب هذه السياحة، وهذا ضيق على نفسه وأسرته، وأضاف نقطة سوداء في سجل حياته وحياة أسرته.

ومن هنا أشير إلى أهمية الأفق الواسع في التعامل مع السياحة داخلياً وخارجياً لكي تكون نقطة أو نقاطاً إيجابية تضاف إلى رصيد هذه الأسرة وربانها، ولعل من أهم معالم هذا الأفق الواسع:

-الشعور الإيجابي منذ التخطيط لسياحة ما، وأول هذا الشعور هو نية التعبد لله بهذه السياحة من خلال إدخال السرور على النفس والأسرة.

- وضع البرامج المناسبة لكل سياحة بما يتفق مع الهدف الأساس لهذه الفقرة من الحياة.

- البعد عن الروتين المستمر في سائر أيام السنة.

- صياغة أهداف واضحة لدى رب الأسرة أولاً، ثم المشاركين معه في هذا البرنامج.

-الانضباط بالضوابط الشرعية، والآداب العامة.

- التخلق بخلق الانبساط والسرور، وشراحة النفس، والحلم، والكرم، ولكل خلق آثاره الإيجابية الآتية والمستقبلية.

تغيير وتجديد

مما جبلت عليه النفوس ألفة الأشياء حتى تصل أحياناً إلى الإصرار عليها واعتقاد أحقيتها دون غيرها، ومن ثم يصل الأمر مع الزمن إلى التضييق على العقول وعدم التفكير، والسياحة قد تنال نصيباً وافراً من ذلك فكثيرون هم الذين يحددون مكاناً معيناً، أو طريقة معينة، أو برامج معينة، حتى تصبح جزءاً لا يتجزء من الحياة يصعب تغييره، ومن ثم لا تحقق الهدف المنشود منها. ومن مجالات التغيير: تغيير المكان لترى ما لم تره من قبل، وتسمع الأذن ما لم تسمعه من قبل ويتفكر العقل بما لم يتأمله من قبل فتتفتح آفاق، وتضاف تجربة وخبرة.

- ومن ذلك تغيير البرامج وطريقة التفسح، والتسوق وعلى سبيل المثال: الاستيقاظ من النوم والعودة، إليه فالبلاد الحارة غير الباردة، والقرى والأرياف غير المدن.

- ومنه تغيير نمط السكن فالنفوس تحب التجديد حتى في طريقة الجلوس فكيف بالسكن.

* ومنه تجديد العلاقات والصلات - بقدر معين - ليزداد السائح معرفة وخبرة.

- التجديد في طرائق الأكل ونوعيته، ومن المهم الأكل من منتوجات البلد نفسه فالذي خلق هؤلاء البشر فوق هذه البقعة أوجد من المأكولات والمطعومات ما يناسب حالهم.

- قدوة وأسوة: قد يتصرف الإنسان في مختلف أحواله في الحضر والسفر، وفي الحل والترحال، وفي البيت والعمل، وحال الانفراد أو الاجتماع مراعياً في ذلك كله آداب الزمان والمكان والحال، لكن لحال السفر والسياحة خصوصية دقيقة حيث يكون السائح على غير حاله الروتينية المعتادة، وهذا يتطلب منه القدرة على التكيف، ومن أهم عواملها: إدراكه أنه قدوة لأسرته فيرون في شخصيته جوانب لم يروها من قبل، أو لم يروها في الأحوال العادية، وبلا شك فإن هذا يتطلب مهارة لإظهار شخصيته بالصورة الطبيعية غير المتكلفة، والتي تمثل تلك الجوانب التي لا تراها الأسرة إلا في تلك الحال..ولذا من المستحسن أن يكون قدوة حسنة في الظاهر والباطن، وفي المرح والسرور، ومن ذلك مشاركتهم في ألعابهم، وفي أنواع الأحاديث المتبادلة بينهم، بل وفي اللباس والشكل، وفي الالتزام بالآداب والضوابط الشرعية وغيرها.

اكتشاف وإبداع

الفرص قد لا تتكرر، ومن الخير استغلالها وعدم تفويتها، وهكذا العاقل الذي يهتم بالفرص واستحسان الاستفادة منها.

وإن من أعظم الفرص لرب الأسرة أن يحاول اكتشاف ما لدى زوجته وأبنائه ومن يصحبه في السفر من قدرات ومواهب لإظهارها، ومن ثم إشباعها وتنميتها، وهذه من أعظم فوائد السياحة والعزلة عن روتين الحياة فلا يكون الهم الوحيد أن نقضي الوقت؟ وكيف؟ فحسب لمجرد قضائه وهو محسوب علينا، وسنحاسب عليه.

ولعل مما يعين على ذلك أن يصطحب السائحون معهم شيئاً من الكتب والدفاتر، وآلات التسجيل، وأدوات العمل والرسومات ونحوها فتكون الأسرة مكتبة الرحلة، وصيدلية الرحلة والأدوات التي تقتضيها المهارات، وبعض الألعاب المناسبة للمراحل العمرية، ومما يدخل تحت هذه المهارات: التدريب على التعامل مع الرحلة البرية وتدريب البنات على شيء من أنواع الطبخ، وكذلك التدريب على الكتابة، والخطابة، والحوار، والعمل الجاد.. إلخ.

دفتر وحاسوب

ما يقضيه السائح من وقت في سياحته هو في الحقيقة إضافة جديدة، أو تجديد لمعرفة، أياً كانت هذه المعرفة، ولقد كانت الرحلات منهجاً للتعلم لأسلافنا بل الف في ذلك مؤلفات منها: كتاب: الرحلة في طلب العلم للخطيب البغدادي- رحمه الله- المتوفي في القرن الخامس الهجري، وقل أن تجد عالماً من العلماء إلا وفي سجل حياته عددٌ من الرحلات التي حمل فيها علماً ومعرفة يفتخر بها كل حسب تخصصه.

ومن هنا فمن الخير لكل فرد من أفراد الأسرة أن يحمل ما يدون فيه كل ما تعلمه ويتعلمه في هذه الرحلة، كما يضيف مشاهداته، ويسطر تأملاته، وقديماً قيل:

العلم صيد والكتاب قيده

قيّد صيودك بالحبال الواثقة

واليوم تيسرت وسائل مساعدة لتقييد المعرفة وتسجيل المشاهدات، والعقلاء قد ينتجون كتباً يؤلفونها، والشعراء قصائد ينظمونها، والحكماء حكماً يفيدون فيها.

إن مصدر المعرفة ليس الكتاب فحسب، بل والتأمل والنظر والتفكير أعظم، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.

فاصحب معك أيها السائح ما يعينك ويكون منارة لما بقى من حياتك، وما تفيده لأسرتك، وللأجيال من بعدك، ولك في الرحالة قدوة.

همسات

كما أشرت في البداية أن هموم السياحة كثيرة، لكني في هذه الهمسات، التي هي في الحقيقة همسة كبيرة ولأهميتها جمعتها فقلت همسات فأقول:

نتحدث وبخاصة في بلدان لخليج عن السياحة الداخلية وأهميتها وآثارها على الفرد والمجتمع وهذا حق لا مريّة فيه، بل ومطلب وطني، وواجب شرعي يجب أن نهتم به وذلك لأن نعمل جاهدين على ما تحقق فيه الوصول إلى نسبة كبيرة من السياحة في إطارنا، وبين ظهراني أهلينا، وفي حدود وطننا..ولكن عندما نأتي إلى أرض الواقع نجد كثيراً من الطموحات تضمر أو تتقلص بما تواجهه من العقبات، فنجد أنفسنا أمام قائمة تحتاج إلى إيجاد أو تطوير أو حل أو مبادرة فنتبادل الأحاديث، ونكتب الكلمات، ونسجل قائمة لنطلبها من هيئة السياحة وغيرها لتنفيذها.. وهكذا دواليك حتى يأتي الموسم المقبل وتعود الكرة مرة أخرى.. الأماكن غير مهيئة.. الغلاء الفاحش في المساكن.. استغلال السائح.. المناطق السياحية خالية من كثير من المقومات.. الطرقات السفرية تفتقر إلى كثير من الخدمات.. الازدحام في المصايف.. إلى آخر تلك القائمة المتكررة.

لا أقلل هنا من أهمية ما تقوم به هيئة السياحة أو المؤسسات الأخرى.. ولا ما يجب أن تقوم به فهي مسؤوليات مشتركة.. لكني هنا أركز على نقاط أرى أنها من أعظم المهمات ونحن نتحدث عن السياحة، ولعلي أسميها: (السياحة والمشروعات الصغيرة) فلنؤجل القفز إلى الطموحات الكبيرة لنبدأ مع السياحة والمشروعات الصغيرة فلعلها تكون منطلقاً علمياً للوصول إلى ما يحقق الطموحات ولو بعد حين.

وأقصد بالمشروعات الصغيرة تلك المشروعات التي يقوم بها بعض رجال الأعمال المخلصين لأنفسهم وبلادهم مثل عمل مجمعات سكنية في مناطق التصيف لمنطقة عسير والباحة والطائف وغيرها، وهذه المجمعات تكون مناسبة للأسرة السعودية فيكون ضمن المجمع غرفة أو غرف للألعاب الصغيرة، ومثال ثالث: أن يُستأجر مكان عام من الدولة لمدة الصيف.. ويجهز بالخيام، وأدوات الرحلات، وألعاب الأطفال.. وألعاب الكبار.. وسوق شعبي.. ويكون الدخول إليه بأجر رمزي.

ومثال رابع: ما قيل عن الأماكن البرية العامة يقال كذلك عن الحدائق العامة.

ومثال خامس: من المشاريع الصغيرة التي يمكن أن يقوم بها رجال الأعمال المحطات التي في الطرق إلى المصايف، ويمكن أن تكون خاصة للمواسم كالصيف، والحج، والعطل الرسمية ولكون هذه المحطات على مشارف المحافظات وتكون مهيئة للإقامة ليوم ويومين، ومجهزة بجميع الخدمات.. ويمكن تأجيرها لتشغيلها بأجور مناسبة.

هذه مجرد أمثلة أرجو ألا تكون خيالية وبخاصة أننا نعيش في فترة تحقيق هذه الطموحات وغيرها.. في ظل حماس هيئة السياحة التي يمكن أن توفر الدراسات اللازمة لمثل هذه المشاريع وتسوق لها، كما يمكن أن تشجع عليها مادياً ومعنوياً وأختم هنا بمثال حي أنقل إعجابي به الذي أرى أنه يمثل أنموذجاً لمثل هذه المشروعات، وهو: مجمع الزامل في منطقة عسير في أبها حيث يحتوي هذا المجمع على عدد من الفلل، وعدد آخر من الشقق بمختلف المساحات، كما يحتوي على ملاعب لكرة القدم، والطائرة، والسلة، والتنس، وألعاب الأطفال الخفيفة، وبعض الألعاب الإلكترونية كما يوجد به مساحات للمشي لمحبي المشي، وكذلك ديوانية خاصة للرجال، وديوانية خاصة للنساء، ومصلى.. بالإضافة إلى خصوصية المكان الذي تجعل السائح هنا مطمئناً على أطفاله وسيارته.

هذا المشروع أزعم أنه جيد وهو أنموذج يمكن تطويره بما يمكن أن يكون جاذباً للسياحة لو توفر العشرات من أمثاله، والأمل بعد الله تعالى برجال الأعمال المخلصين من بلادنا، ورعاية الدولة لهم وفقهم الله، فالمبادرة المبادرة.

* عضو مجلس الشورى


faleh@alssunnah.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد