كلنا كان شاهداً على التراشق الإعلامي بين أسطورة العالم بيليه والأرجنتيني مارادونا، وبعدما قال بيليه ما قاله من أنه يعتب على اتحاد الكرة الأرجنتيني على إسناد تدريب المنتخب إلى مارادونا، الذي لا يلومه على قبول العرض لأنه عاطل يبحث عن عمل، فرد عليه مارادونا «فاكهة المونديال» بأن نصحه أن يذهب إلى المتحف!
تذكّرت ذلك التلاسن، وجعل المتحف في موضع شتيمة، حينما قرأت خبر افتتاح وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل لمعرض «روائع آثار المملكة عبر العصور» في متحف اللوفر بباريس بحضور عدد من الشخصيات بينهم مدير عام المتحف الشهير، ورغم أن الفكرة رائعة ومهمة، إلا أنني تساءلت: لماذا اقتصرت هذه القطع النادرة على معرض يستمر لمدة شهرين فقط، لم لا يكون هذا التراث العظيم للجزيرة العربية على مرّ العصور ركناً ثابتاً في متحف اللوفر وغيره من متاحف العالم الشهيرة؟!
بل لماذا لا تكون الآثار هنا مصدراً مهماً لثروة البلاد، شأنها شأن النفط مثلاً؟ هل يشك أحد بأن دخل مصر البالغ 8.2 بليون دولار من السياحة جاء من غير ذخيرتها المهمة من الآثار الفرعونية؟ تلك البلد التي تسعى إلى الوصول بعدد السياح إلى 14 مليون سائح بحلول عام 2011؟ بل هل يشك أحد بأن الحجاج وزوار المدن المقدسة، مثل مكة والمدينة، كانوا مصدر دخل مهم في البلاد قبل اكتشاف النفط؟ وهل يعتقد أحد أن عجائب موقع الحجر أو أسطورة مدائن صالح، المسجلة في قائمة التراث العالمي، أقل أهمية وقيمة من أعجوبة الأهرامات في مصر؟ حتماً لا.
الفارق أنهم في مصر اهتموا واستثمروا الأهرامات والحضارة الفرعونية، ونحن بدأنا مؤخراً نتنبه إلى ذلك، ولا شك أن النقلة الكبيرة في تصميم المتحف الوطني بين مبناه القديم بشارع العصّارات، وبينه الآن في مركز الملك عبد العزيز التاريخي، هي أمر مهم، وما تبذله الهيئة العامة للسياحة والآثار هو أيضاً أمر يستحق التقدير، لكن الجهد لم يزل دون الحلم بنشر ثقافة البلاد في الداخل قبل الخارج، كيف نجعل الأطفال والتلاميذ والبالغين يدركون أن معرفة الإنسان الآن تأتي أولاً من فهم تاريخه وحضاراته المتراكمة؟ من الحضارات القديمة للأنباط وثمود وحتى الحضارة الإسلامية؟ كيف يتحول الإنسان هنا، حينما يسافر إلى الخارج، من زيارة ملهى ليلي إلى زيارة متحف أو صالة فنون جميلة؟ كيف نفهم جميعاً بأن قطع المتحف النادرة ومخطوطاته أهم من براميل النفط؟ وأن أضرحة ثمود والأنباط أهم وأبقى من آبار النفط؟ وأن مدينة تاروت التاريخية باقية أكثر من بقاء حقل الغوار النفطي!
كيف نوقف النظرة الساذجة للمتاحف، إلى حد أن ذكر مسمى المتحف يرتبط دائماً بالمقبرة، بل إن البعض يرى في الحضارة الآنية أهم من بقايا إنسان ما قبل التاريخ، ولو كان ذلك صحيحاً فأيهما يجذب السائح ويحرص عليه، أن يحصل على مجسم مدائن صالح من حضارة ثمود، أو مجسم الحرم المكّي من الحضارة الإسلامية؟ أم مجسم برج المملكة أو الفيصلية؟ فما الخصوصية التي تميّزنا عن غيرنا في ثقافة الأبراج وناطحات السحاب؟
أترك الإجابة لك عزيزي القارئ...