قلت لكم في المقالة السابقة إن الذئبة قد أرضعتني في الوجر ولعدة رضعات ثم لفتني بقماطي وأقعت تلقي علي تعاليم يجهلها الإنسان وقالت احفظ يحفظك الله فأنت الآن (ذئب مع الإنسان وإنسان مع الذئاب) وأخذت أردد تعليمات الذئبة حتى الحفظ التام، ثم حملتني بفمها الضخم وراحت تجري خلف الظعن لتلحق قومي في الصحراء كان سراب البيد يتراقص في الأفق وكان الظعن يشبه سفناً في البحر وكانت أمي الذئبة (تهرف) لتلحق لاهثة ركب القوم فاتخذت مجرى الوادي المتلوي فسبقت الظعن ثم أخذت (تلوقص) كالكلبة أمام أمي البدوية فصرخت أمي بأبي هذه الكلبة التي نهبت طفلي فاقتلها. سدد أبي بندقيته نحو الذئبة فحدجته بنظرتها الذئبية وتركتني أسقط فوق الأرض وسقطت بندقية أبي منه إذ ذاك رفعت عقيرتها الذئبة للأعلى وعوت لتهز سكون الصحراء و(استثفرت الذيل) وراحت تعدو يتقادح خلف براثنها حجر الصوان.
التقطتني أمي وتفحصت جسدي الغض ثم ضمتني للصدر وأرضعتني ثم لفتني لطرف عباءتها المتسخة السوداء وراحت تغني خلف الظعن الموغل في الترحال.
لكنها وبلحظة حنان أرادت أن تُري الأب هذا الطفل البكر لهما فأشاح يمسد قناع الصقر وقال: الله يستر من هذا الطفل الذي (ولغ) حليب الذئبة. وهمز فرسه ليلحق بالمظاهير لكن أمي شدت لجام الفرس وأوقفت الفارس ذا الصقر وقالت اسمع يا ابن العم: هذا ولدنا يشبهنا لولا الشعر الذي نما بسرعة على أطرافه بشكل مفزع، ساعتها التفت إليها وقال بصوت خافت: هذا قدر الله وسنسميه (سلامة) لأن الله سلمه من الذئاب ثم ابتسم قليلاً ووضع الطفل في (الخرج) وهمز جواده ليلحق (الأسلاف).