أحسب أني أتابع - بشكل جيد - ما يثار في الفترة الأخيرة من تجاوزات بعض القضاة - سواء - كانت تلك التجاوزات أخلاقية، أم إدارية. - وأيضا - تعاملهم غير الإنساني في بعض المواقف مع الخصوم، كالتعالي، وعدم رد السلام..
.. وقد يصل الأمر ببعض القضاة، أن يصف الخصم بقلة الأدب دون مبرر شرعي، أو مسوغ أخلاقي، وكذا التهديد بالطرد من مجلس القضاء، أو سجنه؛ لينتصر لذاته، ويستعلي على الآخرين ويزدريهم. إلى غير ذلك من التجاوزات الإدارية، كإطالة أمد القضية بما يضيع حقوق المتقاضين، والحكم بأحكام مختلفة في قضايا متشابهة.
- لا يساورني شك - في أن هذه المقدمة لا تنطبق على جميع القضاة، فليس كل القضاة بهذه الشاكلة. بل إني أعرف قضاة غاية في التواضع، ولين الجانب، وطيب المعشر. والابتعاد عما يثير الخصم من تطاول في قول، أو فعل، أو تعامل، مما يكون له أبلغ الأثر في لين الخصوم، وقهر عريكة المعاندين.
أذكر جيدا قضايا وقفت عليها، فيها نوع من التجاوزات غير المقبولة شرعا، أو نظاما.
فمن ذلك، أنه إذا كانت لجنة قضائية مختصة» ولائيا» بالنظر في قضية - ما -، فإنه لا يحق لقاضٍ آخر، ليس من اختصاصه النظر في هذه القضية، - وبدون مسوغ شرعي، أو نظامي -، وهو يعلم باختصاص اللجنة فيها، أن ينظر في القضية، بل ولا أن يحكم فيها، - للأسف - قد يحصل نوع من ذلك.
أعرف صديقا، طالما حدثني عن معاناته في مساهمة ما، حين أبرم القاضي عقد بيع تلك المساهمة المتعثرة، على أن يتم سداد حقوق المساهمين خلال سنتين، وحين اقترب وقت السداد نقض البيع، بحجة وجود أخطاء جوهرية في عقد البيع. وأبطلته لجنة قضائية أخرى، بعد أن جرى تأمل عقد المبايعة، ودراسته، اتضح وجود الجهالة في الثمن والمثمن، ومعلوم أن الجهالة في البيع لا يصح معها العقد.
أعلم تماما، أن البيع إذا كان تاما بأركانه وشروطه، وصادقا على صحته، وأمضاه القاضي الشرعي، وأثبت ذلك في المحكمة الشرعية، وتفرق المتبايعان، ولم يعترض أحد ممن له ولاية على القضاء، رغم الكتابة بذلك، واستفاضته، وإعلانه في الصحف الرسمية، فلا يجوز بعد ذلك لأحد أن يقيل المشتري، أو يلغي البيع، أو يؤجل التسليم، ومع هذا لم تتم محاسبة من أبرم هذا العقد الصوري، الذي أضر بمجموعة كبيرة من المساهمين.
إن تجاوزات بعض القضاة ليست فوق النظام، ولا حصانة لمن ينتهك، أو يعتدي. وما يحدث في أروقة المحاكم يحتاج إلى تفعيل لجان المساءلة والمحاسبة؛ لاحتواء الاحتقان الذي نراه ونسمع عنه. ولو سمحنا بمرور مثل هذه التجاوزات دون وقفة إيجابية، فإننا سندفعهم إلى الخطأ، وستتكرر هذه المشاهد مرة أخرى. - لاسيما - وأن المادة» 30» من لائحة التفتيش القضائي، توجب على رئيس المحكمة تقبل الشكاوى ضد قضاة المحكمة، التي يترأسها في المسائل المتصلة بأعمالهم، مهما كان موضوعها. مع التأكيد على أن تفعيل هذه المادة، يجب أن يكون فاعلا في الوسط القضائي دون شكليات.
إن سياسات سعت إلى تكميم الأفواه، والحجر على العقول، وكسر الأقلام الحرة، وقتل الحقيقة، منتهجة في ذلك كل وسائل التضييق، قد ولَّى زمنها. فنحن في كنف عبدالله بن عبدالعزيز، الذي علمنا الشجاعة في القول والشفافية والوضوح والصراحة. ومع هذا، فإن بعض القضاة - للأسف - لازالوا يغردون خارج هذا السرب، وهذه المنظومة الفريدة من نوعها، رغم أن العالم تبدل من حولنا، وما عادت الموازين هي الموازين، في زمن يتغير كل لحظة.
drsasq@gmail.com