شهد متحف اللوفر الافتتاح الرسمي في ظهر يوم الاثنين 13 يوليو 2010م، لمعرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية» الذي يحتل مكاناً مميزاً في أشهر قاعة في المتحف والتي يطلق عليها قاعة نابليون.
وقد نظم المتحف معارض كثيرة من مختلف حضارات العالم عبر سنوات عديدة، غير أن معرض «روائع من آثار المملكة» له نكهة خاصة، في أعين الغربيين بالدرجة الأولى، وفي أعين الكثيرين من بني جلدتنا من العرب والمسلمين. أما أبناء الوطن في المملكة العربية السعودية فقد تولدت لدى العديد منهم صحوة جديدة وكأنهم يتنبهون للمرة الأولى على أن في بلدهم «روائع» نفتخر بعرضها في متحف عالمي مثل «متحف اللوفر». والإجابة هي أنه ليس بغريب على المملكة أن يكون لها معرض يبرز روائع من تراثها الحضاري الموغل في القدم. ففي الزيارة التفقدية التي قام بها سمو الأمير سلطان بن سلمان للمعرض قبل الافتتاح الرسمي، كان بعض الحضور من حملة القلم ومنهم الدكتور على موسي- المعروف بكتاباته الناقدة- مشدوهين بنفائس التحف المختارة التي سيتمتع بمشاهدتها آلاف الزائرين للمتحف، وقد قال بعضهم أين كانت هذه القطع؟ ولماذا كانت مخفية عن الأنظار؟ ولماذا لم نشاهدها في متاحفنا من قبل؟. .قلت لمحدثي ونحن نخرج من الزيارة التفقدية بصحبة الأمير سلطان: إن الإجابة على هذه التساؤلات قد يطول شرحها، ولعلنا نحتاج إلى برهة من الوقت حتى يكتشف أبناء المملكة حجم تراثهم الحضاري، ليستطيعوا فهمه والاستفادة منه علماً وفناً وإشباعاً للفكر والثقافة. ويشتمل معرض «روائع من آثار المملكة» على ثلاثمائة تحفة أثرية تم اختيارها بعناية من بين آلاف القطع الأثرية المكتشفة من عدد من مناطق المملكة والمحفوظة في المتحف الوطني والمتاحف المحلية والإقليمية ومن جامعة الملك سعود ومؤسسات أخرى في المملكة. ويتميز المعرض بأنه يحكي قصة حضارات متعاقبة شهدتها أرض المملكة العربية السعودية عبر أزمنة تاريخية موغلة في القدم تعود إلى أكثر من مليون سنة وتجسد حضارات ما قبل التاريخ والعصور الحضارية وحتى بزوغ فجر الإسلام وازدهار حضارته التي ازدهرت ونمت في جزيرة العرب وانتشرت بعد ذلك إلى أرجاء واسعة من العالم. وعندما يتأمل الزائر للمعرض سيتبين له كيف أن أرض المملكة تقاطعت عليها حضارات شعوب وأمم ولعبت طرق التجارة والحج عبر العصور دوراً كبيراً في نقل العلوم والمعرفة والعادات والتقاليد والصناعات والحرف من بلاد الشرق إلى أقصي بلاد الغرب ومن جنوب الجزيرة إلى مواطن الحضارات في بلاد الرافدين والشام وآسيا الصغرى وبلاد الإغريق والرومان. مصنوعات حجرية ونقوش وكتابات عربية قديمة وإسلامية، فنون ومنحوتات، صنعتها أياد مبدعة، يستمد منها الباحثون وكتبة التاريخ مادة علمية وحكايات وقصصاً عن ماضي حضارات عريقة شهدتها أرض المملكة العربية السعودية على مر العصور. وإذا كان المؤرخون والجغرافيون الأولون لم يشبعوا فضولنا عن تلك الحضارات عندما كانت قائمة فإن أبناء الوطن من علماء الآثار تحملوا المسؤولية في العمل بصمت في الكشف عن جوانب مهمة من هذا الإرث الحضاري، ومنذ أربعة عقود أو تزيد وهذه الجهود مستمرة من خلال أعمال المسوحات والتنقيبات الأثرية والدراسات التطبيقية التي نفذها عدد من أوائل الدارسين السعوديين في جامعات عالمية وهم اليوم يحملون مسؤولية الكشف عن المخزون الحضاري للمملكة ويتبادلون المعرفة والتجربة العلمية مع أقرانهم من العلماء العرب والغربيين على غرار التعاون العلمي والمعرفي في التخصصات العلمية كالطب والهندسة والعمارة وغيرها. إن معرض «روائع من آثار المملكة» في متحف اللوفر ما هو إلا تتويج لعمل تراكمي عبر سنوات، والفضل في إقامته يعود لمهندس السياحة والآثار في بلادنا سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي أخرج هذه الكنوز من مخازن متاحفنا ليطلع عليها العالم من خلال متحف اللوفر، وليس بغريب عليه أن يقود هذه التظاهرة الحضارية، فهي من أوليات عمله في ترجمة البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية ورسالتها للعالم بأنها أرض الحضارات ومنبع الرسالة وبلاد الحرمين الشريفين، وما تتمتع به المملكة من مكانة سياسية واقتصادية بين دول العالم. ولعل الآثار خير وسيلة للتعريف بالمملكة العربية السعودية وتجسد توجهات خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في رعايته للعلوم والثقافة والتراث الحضاري. كم هو جميل أن نرى هذا المعرض في باريس المشهورة بمتاحفها وثقافاتها لكن الأجمل أن تفتح المملكة صفحة جديدة مضيئة ومشرقة للتعريف برسالتها ونسيجها الحضاري الذي يتقاطع مع حضارات المنطقة في العالم العربي وبلاد الشرق الأدنى القديم. هذه الروائع التي يعرضها متحف اللوفر ستنتقل بعد أشهر إلى إسبانيا وبعده إلى عدد من المتاحف الأوروبية والأمريكية.
وفي الوقت نفسه تعمل الهيئة العامة للسياحة والآثار وفق خطة مدروسة في الاكتشافات الأثرية والمحافظة على المواقع التاريخية والأثرية والمعمارية وتطوير متاحفنا المحلية والإقليمية وتأسيس متاحف جديدة وتحويل المباني التاريخية إلى متاحف متخصصة. وستشهد المرحلة المقبلة نقلة نوعية للآثار والمتاحف وسيجد المواطن السعودي والسائح لبلادنا إرثاً حضارياً معروضاً في أزهى صورة بإذن الله. شكراً للأمير سلطان بن سلمان على هذا الجهد الرائع وشكراً لكل الزملاء في قطاع الآثار ولأصدقائنا في متحف اللوفر على إظهار المعرض على هذا المستوي الجميل.
e.mail:alrashid.saad@yahoo.cm