في صبيحة يوم الجمعة 27 من هذا الشهر كان مصابنا جللاً وفاجعتنا هائلة في فقد أبي مرام، الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي، وكيل وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشئون الأوقاف -رحمه الله رحمة واسعة-. أبو مرام وما أدراك ما أبو مرام، ذاك الرجل الذي أسر القلوب بحبه واحترامه وتقديره، وما ذلك إلا لأنه احترم الناس وأحبهم وقدرهم، عرفته -رحمه الله- متحلياً بأخلاق فاضلة، فكان ورعاً نزيهاً حليماً متواضعاً رحب الصدر، كان يقوم بحوائجه بنفسه حتى وإن شق هذا عليه إلا أنه -رحمه الله- يقوم بها بعيداً عن التكلف، وكان قمة في الأخلاق الكريمة والخصال الحميدة، وكان بوجهه البشوش اجتماعياً يخالط الناس ويؤثر فيهم ويدخل السرور إلى قلوبهم، تقرأ السعادة والبشر يتهلل من محياه. لقد آتاه الله -سبحانه وتعالى- ملكة عظيمة لاستحضار الآيات والأحاديث والأدلة القاطعة والأنظمة لتعزيز ما يطرحه، فقد كان ذا علم غزير في فنون مختلفة. ولم يترك -رحمه الله- لنفسه وقتاً للراحة، بل كان منشغلاً بمهام وواجبات وظيفته الرسمية، كان محباً لوطنه مخلصاً لولاة الأمر -وفقهم الله وسددهم لكل خير-.. وكان يقوم بأعماله بكل عزيمة ونشاط وهمة عالية، فقد كان أول من يحضر لمكتبه وآخر من يخرج منه، بل إنه لم يعتد الخروج قبل غيره، وكان حريصاً أن لا يخرج حتى ينهي كل ما لديه من أعمال، فقد كان ينجز معاملات اليوم في يومها ولا يؤخرها للغد، بل كان ينجز أعمال الغد في هذا اليوم، حتى أنك إذا لم تجده في مكتبه يومي الخميس والجمعة، وحتى في أيام الأعياد، تتساءل عسى ما أصابه مكروه؟، وكل ذلك بدون ملل ولا ضجر، بل يجد في ذلك متعته وبغيته من أجل إنجاز المعاملات ومصالح الناس، فقد كان يتميز رحمه الله بالجلد والجدية في العمل وتنظيم الوقت. كما كان له رحمه الله مشاركات فاعلة في العديد من اللجان والمؤتمرات والندوات والمحافل العلمية والفنية والإدارية المتخصصة داخل المملكة وخارجها التي قدم من خلال العديد من البحوث وأوراق العمل، كما أنه شارك في تحكيم العديد من الرسائل الجامعية والبحوث العلمية المحكمة. كان رحمه الله عاطفياً يحب الأطفال ويجالس الشباب ويستمع إليهم ويوجههم بأسلوب تربوي أبوي أدبي لين، ويحرص على زرع الثقة في نفوسهم، لذا فإن من سيفقده كثيراً هم الشباب والأطفال الذين كان يداعبهم ويمازحهم -رحمه الله-. كان رحمه الله يحب الناس، ولا يقابل الإساءة بالإساءة بل بالإحسان، بل إن أساء إليه أحد ذهب هو إليه واعتذر له، وكان رحمه الله يستمع لآراء الآخرين ولا يسفه أي رأي بل يحترمه ويناقشه، فقد كان له أسلوب عجيب في المناقشة والإقناع.
وكان رحمه الله تعالى محباً للقراءة والاطلاع، مما مكنه من الإلمام باللغة العربية وعلوم الشريعة، وكذلك بالأنظمة الداخلية والدولية، بجانب إلمامه باللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة، لذا كان عازماً على تهيئة مكتبة كبيرة في مزرعته والتقاعد من العمل والتفرغ للقراءة والبحث العلمي، وقد ذكر لي -رحمه الله- رغبته تلك من فترة قريبة. كما كان -رحمه الله تعالى- له اهتمام بالدعوة إلى الله من مختلف جوانبها داخل المملكة وخارجها، وكان يساهم بشكل مباشرة أو غير مباشر في الكثير من الأعمال الدعوية وتسهيل أمورها وتقويمها وتسديدها وإعانة القائمين عليها بكل ما يخدمها. ورغم مشاغله -رحمه الله تعالى- إلا أنه كان محباً للخير والسعي فيه، حريصاً على نفع الناس وقضاء حوائجهم ليلاً ونهاراً، حضراً وسفراً، فقد كان منشغلاً ومهتماً بأمور وحوائج المحتاجين من الأيتام والمساكين والمطلقات والأرامل والمعسرين وطالبي الشفاعات هنا وهناك، وقد وقفت على ذلك شخصياً، حيث إنه كان يطلب مني إعداد بعض تلك الشفاعات.. ولا أخفيكم بأنه طلب مني إعداد عدد من الشفاعات قبل وفاته بيومين على أن يوقعها يوم السبت، إلا أن الموعد الحق سبق هذا الموعد والحمد لله رب العالمين. وكان رحمه الله باراً بوالديه قريباً منهما يتلمس رضاهما ويسهر على راحتهما، فحسبك لا أقدر أن أصف لك قدر بره بهما إلا أن أقول عظم الله أجرهما فيه وأعانهما على تحمل فراقه، ولا أنسى علاقته بابنتيه تلك العلاقة الفريدة من نوعها فلم يكن أباً فحسب، بل كان أباً وأخاً وصديقاً، بل وكان ابناً لهما، فأعانكما أختي مرام ولولوة على فراقه ووفقكما إلى بره والسير على خطاه وما رباكما عليه من الآداب والأخلاق والخصال الحميدة. إن من تيتموا خلق كثير وليست (مرام ولولوة) هما من تيتمتا برحيله، بل أنا وغيري خلق كثير ممن عرفوا أبو مرام -رحمه الباري وأسكنه فسيح جنانه- أو سمعوا به فقد تيتموا وإن كان آباؤهم أحياء يرزقون. اللهم إنا نسألك أن تغفر له وترحمه وتسكنه الفردوس الأعلى، وأن ترزق أهله الصبر والسلوان، وأن تجمعنا به في الجنان.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. شذرات بقلم المقصر بحق الفقيد -رحمه الله-
سليمان بن صالح المطرودي
sssm1389@qmail.com