بعد صلاة الجمعة 27 رجب 1431هـ هاتفني أخي وزميلي يحيى عسيري وفاجأني بسؤال: عندك خبر عن الدكتور عبدالرحمن؟ فانقبضت من سؤاله وقلت له: من أي ناحية؟ فقال: أنا في المكتب ووصلني خبر أن الدكتور قد توفي... وبعد أن استفسرت منه عن مصدر الخبر فأخبرني... وللاستيثاق اتصلت بأحد أقارب الدكتور عبدالرحمن فأكد لي الخبر... وحينها لم أجد خيراً من أن أردد {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وترحمت عليه ودعوت له بالعفو والمغفرة والثبات، ودعوت لوالديه الكبيرين المفجوعين بأن يربط الله على قلبيهما ودعوت بمثل ذلك لأسرته الصغيرة (زوجة وابنتين) وإخوانه وأخواته.
بيننا نحن زملاء العمل حين يقال الدكتور عبدالرحمن فالذهن ينصرف مباشرة إلى الدكتور/ عبدالرحمن بن سليمان المطرودي وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف.
لقد كانت صدمة وفاجعة عظيمة أرجو أن نكون قد استقبلناها بالرضا والتسليم، وقد كان هذا الرحيل المفاجئ حدثاً أذهلنا نحن أصدقاؤه وزملاؤه، فقد كان عبدالرحمن ملأ السمع والبصر، ومهما كتبت فلن أستطيع التعبير عما تكنه نفسي من محبة وود لهذا الرجل، كما لن أستطيع أن أحصي ما تميز به من خصال وسمات يندر أن تجدها مجتمعه في شخص واحد، وحسبي هنا أن ألمح إلى عناوين فقط شهادة مني لهذا الأخ الحبيب الذي امتدت علاقتي به منذ 1406هـ ومع مرور الأيام والأعوام كانت العلاقة تزداد رسوخاً وتوهجاً... إن القلم يحتار من أين يبدأ، فهل مثل عبدالرحمن في رعاية والديه وسعادته الغامرة بهذا الحظ العظيم الذي جعله يفضل أن يلازمهما في بيتهما الحالي ويقول إنه لن يخرج من هذا البيت إلا وهما معه وبموافقتهما... فرحمك الله عبدالرحمن وهنيئاً لك هذا الباب العظيم من الحسنات... ثم هل مثل عبدالرحمن في تعففه ونظافة يده وحرصه على طيب مطعمه بل الأمر يتعدى ذلك إلى حرصه على الابتعاد عن كل ما يشتبه وأنا أحفظ له مواقف (بحكم قربي له وملازمته في العمل) وقلة قليلة من العاملين معه يدري أنه لا يستلم أي مكافأة أو بدلات إذا تعذر صرفها من ميزانية الوزارة وأصبح لا مجال لصرفها إلا من خلال الأوقاف، كما أنه كان يعتذر عن استلام أي سلفة تتعلق بتكاليف الضيافة لمكتبه مع أنها نظامية فكان يصرف على الضيافة من جيبه الخاص... رحمك الله ياعبدالرحمن... ثم هل مثل عبدالرحمن الذي ما جلس معه أحد مجلساً واحداً إلا قام وهو يحمل الانطباع أنه كان مع رجل كبير بتواضعه ودماثة خلقه، ثم هو بعد ذلك رجل سيماه النصح والإخلاص فيما يبديه من آراء بعيداً عن المصلحة الذاتية وفي هذا الباب تختزن الذاكرة له مواقف أشهد له بها عند الله وعند خلقه وهذه صفة عزيزة في مثل زماننا وهي لديه متأصلة تصدر عنه ديانة لله فيما أحسبه، ويمتد هذا النصح ليصبغ تعاطيه مع العمل الوظيفي الذي أسند إليه في محطات عمله المختلفة في جامعة الإمام أو في وزارة الشؤون الإسلامية وكان آخرها عمله وكيلاً للوزارة لشؤون الأوقاف منذ ذي الحجة 1416هـ حتى يوم رحيله عن دنيانا الفانية وانتقاله إلى جوار الكريم المنان، ومن المؤكد أن زملاء العمل الآخرين لديهم الانطباع ذاته فيما يخص منهجه في العمل القائم على الإخلاص والنصح والحرص على الأوقاف والمحافظة عليها والوقوف ضد ما يتعارض مع هذه الأمانة... وأشهد لله بمواقف لهذا الرجل في هذا المجال أسأل الله أن يرفعه بها... وحين أتحدث عن أخي وحبيبي عبدالرحمن وأريد أن اختصره في صفة جامعة لا أجد أوفى من صفة النصيحة بمعناها العام، ولذا حين التقيت معالي الشيخ صالح (وزير الشؤون الإسلامية) معزياً صباح السبت وكان التأثر واضحاً على محياه ويقول لا نزال نعيش صدمة رحيل عبدالرحمن، قلت له: برحيل عبدالرحمن تكون فقدت رجلاً ناصحاً فوافقني متأثراً وقد رثاه بكلمة ألقاها بعد صلاة ظهر هذا اليوم ولم يستطع إكمالها حين غلبه التأثر... ولا يلام معالي الشيخ في تأثره فقد كان عبدالرحمن جبلاً فيما يحمل من أعباء فهو مع توليه مسؤولية وكالة الأوقاف أسند له معاليه بجانبها مسؤولية وكالة المطبوعات والبحث العلمي منذ ربيع الأول 1430هـ حتى يوم وفاته.
ثم ما عساي أن أقول فيما يتصل بكرمه وشهامته ونبله فالمواقف في هذا المجال يصعب حصرها وقل أن تجد قريباً له أو زميل عمل إلا وهو يحفظ له جميلاً أو موقفاً... وجميعها تحمل دلالات على سمو نفسه وحبه الخير والمسارعة في بذل المال والجاه والرأي في مواطنه.
ما ذكرته آنفاً هي كما قلت عناوين فقط وهي مع غيرها مما لم أذكره جعلت من عبدالرحمن منارة وركناً تأنس القلوب بلقياه والاجتماع به والنهل مما حباه الله من رأي ونصح، وما تجلس إليه إلا وتزداد محبة له وارتياحاً إليه وتشعر أنك تلميذ في حضرة أستاذ دون أن يشعرك بذلك ثم هو مع هذا لا يترفع عن الاستشارة وطلب الرأي ويتقبل ذلك بحفاوة وشكر وتقدير وعرفان.
وختاماً نعود ونقول {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} ونزيد إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراق عبدالرحمن لمحزنون، ونسأل الله العلي القدير أن يلطف بوالديه وبأهل بيته وبقية أسرته، وأن يرحم حبيبنا عبدالرحمن ويعفو عنا وعنه وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يتقبله في الصالحين من عباده، وأن يعلي منزلته، وأن يبارك في عقبه، وأن يجمعنا به في جنات النعيم. آمين آمين آمين.
م. صالح بن أحمد الأحيدب
المستشار بمكتب الوزير الوكيل المساعد لشؤون الأوقاف سابقاً