وصلتني رسالة من مجهول على البريد الإلكتروني يوضح من خلالها المخطط الذي تسعى إليه الدول العلمانية بحسب تعبيره ضد المرأة الذي يتناول فيه المؤتمرات التي عقدت في كثير من الدول لهذا الشأن والتي كان من أبرزها:
مؤتمرات المرأة والسكان في القاهرة، وبكين، وأعمال الدورة الثانية والعشرين للجنة المكلفة بالقضاء على (التمييز ضد المرأة!) في مقر الأمم المتحدة التي طالبت الجمعية العامة من خلاله الدول الموقعة على اتفاقية حقوق المرأة بتطبيق قواعد المساواة بين المرأة والرجل، كما فرضت على هذه الدول عدم الاكتفاء بإقرار المساواة على مستوى النصوص التشريعية فحسب، بل العمل على تجسيد هذه النصوص في الحياة العامة من أجل تحسين الواقع اليومي الذي تعيشه المرأة.
وكتبت نفيس صادق (المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان):»إنَّ إدماج النساء في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تعتبر من أهم التطورات التي حدثت في المائة سنة الماضية، ولكن هذه الثورة لم تكتمل بعد؛ فالمساواة النوعية ما تزال هدفاً لم يتحقق. إن ما يواجهنا من تحد ومسؤولية بوصفنا رابطة من الأمم هو أن نبني على ما أنجزناه في العقود الماضية، وأن نضمن أن القرن الحادي والعشرين سيوفر للنساء الفرصة للمشاركة الكاملة في صنع التاريخ!!».
وهذا كله ليس فيه ما يمكن له أن يثير غضب مجموعة كبيرة من المحافظين الذين يعتقدون أن انعكاسات تلك التوصيات الأممية في بعض الدول الإسلامية سيؤدي إلى إخراج المرأة من بيتها، ومن ثم يحدث البلاء الذي يتركز في أن تتخلى عن أنوثتها الطاهرة، وتصبح ألعوبة لشهواتهم ودمية لأهوائهم حسب تعبيرهم لأن إدماج المرأة في التنمية وفي مشاركة الرجل في الحياة العامة لا يمكن له أن يمثل خطراً بقدر ما سيسهم في إرساء المجتمعات، وتحويلها إلى مجتمعات طبيعية،كما أراد الله لها أن تكون، فالله تعالى خلق الرجل والمرأة وكلفهما بأداء الأمانة على مستوى واحد ولم يفرق بينهما، وهذا ما جاء به الإسلام الذي انتشل المرأة من براثن الاستلاب لحقوقها الطبيعية التي كانت تعاني منها في الجاهلية، ولم يمنع المرأة من مزاولة العمل أو المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية إلى جوار الرجل، حتى إنها كانت تشارك في الحرب إبان الفتوحات الإسلامية من خلال مداواة الجرحى، وكشف لنا التاريخ عن مقاتلات كن يرتدين زي القتال الرجالية ويمتطين صهوة الفرس ويشاركن في الحرب بشكل مباشر بصفتهن فارسات خلال العصور الإسلامية المختلفة.
كما وأنه لا يشترط أن يجعل منها متمردة على حجابها ويجعلها تنتكس في حمأة الجاهلية ومستنقعاتها الآسنة بحسب التعبيرات التي تطلق بشكل مستمر، هذه التعبيرات التي نسمعها غالباً ما تكون مغرقة في التعصب، وفي عدم الوعي بالمرحلة التي يعيشها العالم، والتغيرات التي تحدث والتي تتطلب منا أن نكون مواكبين لتلك التغيرات مع المحافظة على قيمنا الإسلامية العريقة، وعاداتنا وتقاليدنا القيمة، إن هذه الفئة التي تعتقد أن مشاركة المرأة ستؤدي إلى إلغاء دور الأسرة، ومسخ الهوية الاجتماعية للأمة، وإشاعة روح الانحلال والفساد، هي بلاشك لا تدرك أن على المجتمع الصحي أن يتفاعل مع المتغيرات، وأن يواكب ما يستجد في العالم، خاصة وأنه يملك ديناً عظيماً، يجعل منه مجتمعاً قوياً إذا استطاع تطبيق تعاليم دينه بشكلها الصحيح، كيف نشكك في المرأة المسلمة التي تربت في مجتمع إسلامي، وتلقت دروساً ومبادئ قويمة، من خلال المدرسة النظامية ومن خلال التربية في مجتمع يطبق الشريعة الإسلامية في كافة شؤون حياته، أليس هذا يجعل منا نمتلك الثقة في شبابنا وشاباتنا، وكيف ننظر إلى الشباب على أنهم ذئاب بشرية كما يحلو لبعض المحافظين أن يصفهم بهذا الوصف، وهم مخرجات هذا المجتمع، ومخرجات التعليم الذي يتكئ على مبادئ عظيمة تنطلق من دين عظيم، هذه النظرة في اعتقادي تحتاج إلى مراجعات صادقة، ووقفة جادة مع النفس، وتأمل في واقعنا المعاش، إما أن نكون مجتمعا يؤمن بمبادئه الإسلامية، ويطبق هذه المبادئ في حياته اليومية بشكل حقيقي وفاعل وعندئذ لن نحتاج لكل هذا الخوف، والقلق الذي نعيشه، وسنقف صامدين أمامه لنواجه كل التيارات التي تهب علينا، ولن يكون الخوف هو المنطلق الذي نبني عليه مستقبل حياتنا، وإلا ما هو مصدركل هذا التخوف، ولماذا يكون بهذا الحجم، ومن أين نشأ، هل هو من عدم وعي برسالتنا، أم من جهل بعض بحقيقة الرسالة المحمدية التي تؤكد أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان، وقادر على التفاعل مع مختلف الظروف، أم أننا لسنا على يقين بتطبيق شبابنا وإيمانهم بتلك المبادئ القيمة، وأنها لم تغرس في داخلهم بشكل صحيح، إذا كان كذلك فمعنى هذا أن رسالتنا طوال العقود الماضية من السنين لم تكن على الوجه المطلوب، ولم تكن بالشكل الصحيح في ترسيخ تلك المبادئ، وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال المثير للجدل: إلى أين نحن ذاهبون؟
Kald_2345@hotmail.com