نشرت جريدة «الجزيرة « الغرّاء في عددها الصادر يوم الاثنين 2 رجب 1431هـ تصريحاً لوزير التجارة والصناعة، قال فيه إن «وزارته تعاقدت مع شركة عالمية متخصصة في مجال الاستشارات الإدارية لإعداد تنظيم وتصور مستقبلي لعمل وكالة الوزارة لشؤون المستهلك». ونشرت «الجزيرة» أيضاً في عددها الصادر يوم السبت 21 رجب 1431 هـ تصريحاً لمدير عام صندوق تنمية الموارد البشرية، قال فيه إن «الصندوق كلّف أحد بيوت الخبرة العالمية بإعداد إستراتيجية عمل الصندوق». هكذا يعلن وزير تصدر وزارته التراخيص المهنية للمكاتب الاستشارية الوطنية. وهي لا تُصدر تلك التراخيص المهنية بالضرورة إلاّ بعد تأكدها من خبرة وكفاءة صاحب الترخيص. وهكذا أيضاً يعلن مدير صندوق تنمية الموارد البشرية الذي يُفترض في عمله أن يُسهم في تنمية الموارد البشرية «الوطنية» ... هكذا تُعلن هاتان الجهتان الرسميتان المسؤولتان عن المكاتب الاستشارية «الوطنية» وتنمية أعمالها، وكوادرها الوطنية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، تُعلنان بكل وضوح أنهما تعاقدتا مع مكاتب استشارية عالمية، أي أجنبية، وفي مجال ماذا؟ في تنظيم إدارة شؤون المستهلك أو إعداد إستراتيجية لعمل صندوق تنمية الموارد البشرية. وأشعر أمام هذه الممارسات المهنية تجاهل المشاركة في تنمية وتطوير القدرات والكفاءات الوطنية المتخصصة والعاملة في مجالات الاستشارات بأفرعها المتعددة، أشعر بدرجة عالية من الحزن، ولا أدري كيف تذكّرت عنوان أحد مقالات زميلنا العزيز في جريدة «الجزيرة» الغرّاء، الأستاذ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، عندما تحدّث عن جمعية حماية المستهلك، في مقالته المنشورة يوم الثلاثاء 17 رجب 1431 هـ «أمحق جمعية». وأذكر في هذا السياق ما قاله الزميل الدكتور سليمان علي العريني، المدير التنفيذي لشركة الإبداع للاستشارات، من تفشّي ظاهرة المستشارين الأجانب، الذين توكّل إليهم أعمال استشارية، وأنك تجدهم في بداية العطلة الأسبوعية في صالات المغادرة بمطار الملك خالد الدولي بالرياض وهم يهمّون لقضاء إجازة الأسبوع خارج البلاد. وأسترجع في الوقت نفسه ما خلص إليه المجتمعون في الاجتماع الأول للمكاتب الاستشارية «الوطنية» الذي نظّمته اللجنة الوطنية للمكاتب الاستشارية بمجلس الغرف السعودية، من أنّ المكاتب الاستشارية الأجنبية تستحوذ على نصيب الأسد، وربما غيره، من الأعمال الاستشارية للجهات الحكومية، في الوقت الذي تمتلك فيه المكاتب الاستشارية «الوطنية» القدرة والكفاءة على أداء هذه الأعمال، وطالب المجتمعون بإعطاء المكاتب الاستشارية «الوطنية» الفرصة، أو على أضعف الإيمان وضع بند في العقود المبرمة مع المكاتب الاستشارية الأجنبية بضرورة الاستعانة والتعاون مع المكاتب الاستشارية «الوطنية». وربما يتوقع «البعض» أنّ المهمة الموكّلة لهذه المكاتب الاستشارية العالمية هي في مجالات علمية خارقة، في علم الذرّة أو النانو، وأنه لا توجد خبرات «وطنية» كافية أو مؤهّلة في هذه المجالات. ولو عرف هذا «البعض» طبيعة ونوعية المهمّات الاستشارية الموكلة إليها، كما جاء في التصريحين المعلنين في جريدة «الجزيرة»، لقال ما قاله ابن الشيخ في جمعية حماية المستهلك. وقد يتذرّع المسؤولون بأنّ إعلانهم هو في سياق الشفافية التي يطالب بها الناس، ونحن نقول لهم هذه ليست شفافية. هذا بلاء، وإذا بُليتُم فاستتروا.
رئيس دار الدراسات الاقتصادية – الرياض