في كتابه «الممتع» ذكريات مما وعته الذاكرة.. يعيدنا الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله السالم إلى الزمن الجميل.. زمن البساطة والعلاقات الاجتماعية الدافئة..
يقول تحت عنوان: «أحاديث الماضي»: كان كبار السن يتخذون من الشوارع غير الفسيحة مجلساً لهم يخوضون في أحاديث متباينة وحكايات متفاوتة، وكل يروي تجربته إن كانت له تجربة أو تجربة سواه..
يبدأ القاص رواياته وذكرياته فيما يتعاون أفراد البلدة مع بعضهم في فتل الحبال وهي تستخرج من ليف النخيل الذي يبرم بالأيدي.. ومعظم الروايات مسلية وإن امتزج بعضها بلون من الخيال لكنه ترفع عنهم الملل والرتابة وتشوقهم إلى الجلوس أفراداً متعاونين يتبادلون المساعدة فيما بينهم لمن يحتاجها.. فهم يفتلون الليف ليجعلون منه حبالا تستخدم في وسائل الري وفي أوضاع شتى من شؤون الحياة التي يعيشونها فهي تستعمل في السواني.. ومن لا يعرف هذه السواني فإنها الحيوانات التي تسقي النخيل والمزروعات وكان من عادات هؤلاء الجلوس في فصل الشتاء في مكان يُسمى (المشراق) أي موضع إشراق الشمس لتدفئ أجسامهم..
وفي فصل الصيف يجنحون إلى الظل الذي يتفيؤونه وكلما قربت من مجلسهم الشمس تحولوا إلى ظل جديد..
وتحت عنوان: «عودة إلى الماضي» يقول المؤلف:
كان شعار كبار السن قيام الليل لصلاة التهجد كل ليلة وصيام النهار كل يوم اثنين ويوم خميس إلى جانب الثلاثة أيام المعروفة بالأيام البيض وهي 13 و14 و15 من كل شهر.
ومع صلاتهم القوية بالله تبارك وتعالى فإنهم يتحرجون من أي خطأ أو تقصير مهما كان صغيراً أو تافهاً ويتحاشون كل ما يظنون أنه يباعد بينهم وبين الجنة التي وعد بها المتقون ولذا فإنهم يسارعون في الخيرات.
وعن تجربته في الحياة يقول الأستاذ عبدالعزيز السالم:
حين أنظر إلى نفسي بعد تعاقب السنين ونفاد العمر والوقوف حالياً على حافة القبر: أجد رفاق الصبا الذين أشرت إليهم فيما سلف أهدأ بالاً وأسعد حالاً مني ومن كثيرين تسنموا المناصب الكبيرة وتخلوا عنها أو هي تخلت عنهم.. وحين استعيد في الذهن تلك المجالس المفتوحة بلا تكلف والقلوب الطاهرة بلا تصنع أجد الفارق الواضح بين فريق وفريق.. هؤلاء الذين عملوا لآخرتهم وقنعوا بواقعهم يحيون في وهج المعاني الإنسانية المتسامية، جعلتهم يحتلون هذه المكانة العالية التي تمنيت لو أني بقيت مثلهم خالياً من الهموم متفرغاً للطاعة منسجماً مع القناعة..
لقد شاب رأسي قبل أن تشيب رؤوسهم وأرهقت فكري وقد ارتاحت أفكارهم وأتعبت جسمي بما لم تتعب بمثله أجسامهم.