البعيد هناك يتظاهر فيه الشفق بالحياد، إلا أنه يختزن من الغواية ما يجعل العاشق الهائم يسعى إلى مشارفه بهيام عميق كفراش يهفو إلى الضوء.
فرط حزن
النادب والنائح في جوف ليل هذه الفلاة.. إما أمٌ هدّها الوجد اللاعج على طفل راحل، أو حزن عميم لرجل فقد إحدى رواحله الأصيلة، أو عويل راعٍ يشق نياط القلب لفرط حزن على غائب لم يأتِ بعد.
جذل عطر
الرمل الذائب من فرط سكونه يمنح الحياة بعد مطر همى ليل البارحة فرصة للرائحة البكر أن تتكون، وللغضاة الوارفة أن تنفح العابرين جذل شميمها العَطِرْ.
رمال الخابية
المطر وإن غمر (خابية الرمل) لا تأمن جانبها أيها الراحل في أعماق الرمل.. فهي وإن أطرقت بصمت فثق أنها تُعدُّ مكيدة لعابر يجهل تضاعيف المفازة، وعنادها المكابر.
جهات الشمس
لا يستر وهج الشمس في الفلاة سوى صبر الراعي على التحمل.. فَظِلُّ جمله قد يكون هو الملاذ حينما تنأى الشجيرات بظلها عن الرعاة في تعامد ظهيرة مع يوم قائظ.
سِحَنْ الرعاة
سِحَنْ الرعاة لها هيئات عجيبة، فلم يعد وهج الشمس من يلون أجساد الرعاة والعابرين لتضاعيف الرمل، إنما باتت الألسن - الآن - هي ما تستطيع من خلالها أن تميز بين الغريب عن الصحراء والقريب منها.
ورود منهكة
حينما تزهر الأمكنة، وتضوع الورود الربيعية بهاء عطرها في فلاة قفر تأكد أن الحياة هنا عابرة، وقد اقتربت من نهايتها، فما بعد ينعة الأزهار إلا ذبولها المحتمل.
فاقة السعي
لا تعوز أهل الرمل.. سوى مخيلة واسعة، فهم أضيق من أن تتصورهم حالمين إلى الأبد.. بل تراهم يلهجون بألم الفاقة حينما يريدون من الحياة أن تمدهم بعون المادة.
مسير الفلاة
في الفجر يغذ الرعاة سيرهم نحو الفلاة.. لا يلوون على شيء على أمل الخلوص من لواعج الرمل الذي بات يصيبهم بمقتل.. لقد ضاق الرمل بأهله، فانتظروا النهاية قريباً.
تلويحة المرتحل
حينما يرحل أهل الكثبان العالية لا تكف أيديهم عن التلويح، وكأنهم ينهلون من معين موقف لن يتكرر.. فقد لا يعود المرتحل عن التخوم، لأنهم يدركون بالفطرة أن الحياة سفر دائماً بلا نهاية.
- المدينة المنورة