كتاب (حضارات) للمؤلفة مي عبد العزيز السديري يسرد لنا تاريخ الحضارات وما كانت عليه.. وقد أحسنت المؤلفة بطريقة التنظيم للموضوعات وإعطاء القارئ نبذة عن كل حضارة بأسلوب متميز.
وقد اشتمل الكتاب على معلومات قيمة تزيد من ثقافة القارئ وتعطيه تصور للمقاربة بين الحضارات التي كانت موجودة في السابق والحضارات التي تلتها.. وتلقي الضوء على العادات والأنظمة والحالة الاجتماعية السائدة في تلك العصور والأزمنة.
تقول المؤلفة مي السديري في المقدمة: إن اكتشاف الزراعة كان وما زال أعظم اكتشاف عرفه الإنسان فقد كان السبب الرئيس وراء كل حضارة الإنسان حتى يومنا هذا فإذا كانت الكتابة قد حوّلت عصور ما قبل التاريخ إلى العصور التاريخية فإن الزراعة قد أوقفت الخطوات البطيئة المملة للعصور الحجرية القديمة وجعلتها تتسارع باتجاه الكتابة وانعطاف التاريخ.
وأكّدت أن التاريخ البشري على مستوى الإنجاز الحضاري والمادي والثقافي قد أمدنا بثلاث معجزات نوعية كبرى:
المعجزة الأولى: هي حضارة ما بين النهرين.. فقد وضعت هذه الحضارة الأسس الأولى الراسخة والنوعية المتبينة المادية والثقافية والروحية التي سارت عليها البشرية مثل الكتابة، التشريع، الدين، العلوم، الآداب، الصناعات، الحرب، الفنون، القيم الأخلاقية، الطب، العمارة، الري.
والمعجزة الثانية: هي المعجزة اليونانية التي هي معجزة الاكتشاف وبناء التفاصيل وإعادة النظر نوعيًا بكل مفردات التأسيس واكتشاف وتوسيع حقول المعرفة البشرية.
أما المعجزة الثالثة: فهي المعجزة الغربية التي بدأت عمليًا مع عصر النهضة الأوروبية وما زالت تتصاعد ذروتها إلى اليوم في أوروبا وأمريكا.
وأشارت المؤلفة إلى الأفكار الأساسية لكل حضارة وما قدمته للعالم، فإذا كانت هناك حضارة ما بين النهرين قد قدمت الكثير فإن الحضارة الهندية قدمت الفكر الديني الإنساني المتشعب.. أما الحضارة الصينية فيكفيها فخرًا أنها لم تندثر كما فعلت الحضارة المصرية القديمة وإنما استمرت في التطور حتى هذا اليوم.
ولا نغفل الحضارة الرومانية وما ورثته من الحضارة الاغريقية وطوّرته من مسارح وأبراج وعمران.. فكل أمة من الأمم الحديثة هي امتداد لأمة قديمة، والشرائع الحديثة هي امتداد لشرائع قديمة وصور متعاقبة لتطورها.
وإذا كان حاضر كل أمة لا يفهم فهمًا صحيحًا إلا بمعرفة ماضيها فإن الشرائع والنظم الحديثة لا يمكن أن تفهم فهمًا وافيًا إلا بمعرفة ماضيها وتتبع حلقاتها المتصلة بالشرائع والنظم القديمة ومعرفة جذورها التي تمدها بأسباب القوة والحياة.