يدور الحديث - كثيرا -، بأن الإقرار الرسمي لجذور الإرهاب تكمن في كونها فكرية، وأن المنتديات والمواقع الإلكترونية المتطرفة أصبحت تمثل هاجسا أمنيا وفكريا بشكل متزايد، وهو ما يؤكده - المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب - ...
... في هولندا» تشيبه بوسترا»، من أن:» شبكة الإنترنت تبدو كما لو أنها معسكر تدريب افتراضي للإرهابيين، وذلك نتيجة لتزايد المواقع التي تعرض بالتفصيل كيفية صنع مواد متفجرة، أو حزام ناسف، فلم يعد الأمر مجرد بث أفكار، ونشرها بين الناس».
- ولذا - فإن وضع إستراتيجية أمنية في مجال مكافحة الإرهاب؛ لمواجهة هذه الآفة المهددة للأمن والاستقرار الدوليين، والمهددة - أيضا - مسيرة الحراك النهضوي على المستوى المحلي. ومحاصرة الفكر التكفيري، ومناقشته من الغلو والتطرف. وبث المفاهيم الصحيحة عن طريق الحوار، أمر في غاية الأهمية، وهو ما يتماشى مع الخيار السياسي بالسعودية، وبناء نسق طموح؛ لاقتلاع الجذور الفكرية للتطرف، باعتباره المدخل الرئيس للإرهاب. وقد أكد - خادم الحرمين الشريفين - أمام مجلس الشورى، في 2006 م، على إصرار وتصميم السعودية، في مواجهة آفة الإرهاب، وتجفيف منابعه بكل الوسائل، وعلى مختلف الجبهات، حين قال:» ولهذا فنحن نجدد العزم على القضاء على الفئة الضالة من الإرهابيين القتلة، ومكافحة الفكر التكفيري بالفكر السليم، فلا مكان في بلاد الحرمين الشريفين للتطرف».
« حملة السكينة»، حملة تابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وقد حظيت برعاية مباشرة من وزيرها - الشيخ - صالح آل الشيخ، حيث أثمرت في فتح أبواب الأمل لمن غرر بهم، وإدماجهم في مجتمعهم بعد إعادتهم إلى جادة الصواب. وكان من أبرز نتائج هذه الحملة حسب إحصائية اطلعت عليها منذ سنة - تقريبا -، ما أكده المشرف على هذه الحملة - الأستاذ - عبدالمنعم المشوح، من أن:» عدد الذين تمت محاورتهم أكثر من (1600) خلال ست سنوات، ولدينا وثائق الحوارات مسجلة، وتم إخراج بعضها مما يناسب إخراجه، ويتم الاستفادة منه. ونسبة الذين تراجعوا عن اعتناق الفكر التكفيري والإرهابي (25 %)، وإن كانت تختلف نسبة تراجعهم، وهذه طبيعة الأفكار».
صحيح أن بعض الباحثين أشار إلى أن هذه الحملة، وغيرها من الحملات، ك» حملة المناصحة» التابعة لوزارة الداخلية، لم تستطع تفكيك المنظومة الفكرية والسياسية والشرعية لتلك الجماعات، المنتجة للعنف والإرهاب إلا أننا لا نستطيع - أبدا - أن نغفل إيجابيات الحملتين؛ من أجل محاصرة الفكر التكفيري، وتصحيح المفاهيم الشرعية، وهو ما أكده السفير الأمريكي» فراكر»، أثناء انعقاد المؤتمر القومي للعلاقات الأمريكية والعربية، من أن:» المملكة تمكنت من هزيمة القاعدة، وهي التجربة الوحيدة التي هزمت فيها القاعدة، ليس بالوسائل الأمنية وحدها، وإنما بالحوار الديني والفكري». وأضاف:» أعتقد أن تجربة السعوديين في مواجهة القاعدة، تستحق أن تدرس بعناية كنموذج على سبل مكافحة الإرهاب؛ لتطبيقها في دول أخرى».
إن استهداف المنتديات والمواقع الإلكترونية المتطرفة؛ للرد على أصحابها، وتوعيتهم بالفكر الصحيح المغاير للفكر المنحرف، بعيدا عن العنف والشدة، دليل على أهمية استخدام هذه التقنية في محاربة آفة الإرهاب، والمتمثلة في توحيد لغة الحوار، وتحديد أطرافه، فالتجارب أثبتت أن تفكيك المنظومة الفكرية، لا يمكن أن تنتهي إلا بالحوار المفتوح؛ لربط المقدمات بالنتائج، ووصولا إلى أسلوب العلاج، ولنا في منهج عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - مع الخوارج نموذج مشرق، حين أرسله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إليهم، فطالبه بمناظرتهم بالسنة بدلا من القرآن، لأنه» حمال أوجه»، فأسفرت المناظرة عن رجوع ألفين من بين ستة آلاف خارجي، واحتواء أفكارهم بسلاسة، ودون مواجهة.
drsasq@gmail.com