(يا أخي حتى لو أذنبت... يكفي ثلاثين سنة تكفير، مع أني ما أذنبت أصلاً، يعني وش فيها إذا رفضت تلميحات أم ندى لأمي حتى أتزوج بنتها، يعني تروح تحرض زوجها العسكري، ويوصي علي الأمن يطاردوني ويتابعون تحركاتي، ويخلوا حياتي عذاب في عذاب...
يا ناس فكّوني، وراي وراي في كل مكان، طيب مالها داعي تراقبوني بالكاميرات المربوطة بالسي إن إن، حتى وأنا في الحمام، ثلاثين سنة وأنتم مخليني ما أدخل الحمام إلا في الظلما، لا، كل هذا كوم وأصواتكم كوم ثاني، جهازكم اللاسلكي أسمعه يعلّق على كل تصرفاتي، هذا هو راح، هذا هو جاء، نام، ضحك... يا ناس خلاص كفاية، يعني حتى تتهموني في شرفي، وإني شاذ، كل هذا عشان ما وافقت على ندى؟ وآخرتها تدخلوني المستشفى حتى يقولوا عليّ الناس مجنون، ومع هذا ما كفاكم قمتوا تحرضون أبوي يجيب لي شيخ يجلدني على أساس أن أصواتكم أصوات جن!
كل هذا عشان ندى؟ طيب هذي هي تزوجت وأنجبت بعد... إيش باقي؟
يا ناس أرحموني، لاني عارف أشتغل ولا أتزوج، ولا عارف أسوق سيارتي ولا حتى أتفرج على التلفزيون... البارحة كان فيه فيلم في التلفزيون اسمه رجل لا ينام... يا ساتر أنتم إيش دخلكم إذا كنت أنام ولا لا... شيء يقرف!
بجد أنا تعبت... سامع الحين صوتهم في اللاسلكي يقول موّت نفسك وأنت ترتاح!).
المقطع أعلاه قمت بنقله بتصرف من معاناة كتبها مريض بالفصام البارانوي ذكرها د. محمود أبو العزايم في موقعه الإلكتروني.
هذا المرض، وأعني الفصام، يصيب ما نسبته واحد من كل مئة شخص حسب النسب العالمية، وذكر مسؤولو الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفصام بأن عدد المرضى في الرياض وحدها وصل إلى نحو 30 ألف شخص مريض، في حين الأسرة المخصصة لهؤلاء لا يتجاوز 300 سرير فقط، تحديداً 200 سرير في مستشفى الأمل للصحة النفسية، و20 سرير في المستشفى العسكري، و20 سرير أخرى في المستشفى الجامعي، أما بقية المرضى وهم 29700 مريض نفسي، يعاني من الإصابة بالفصام، فهم يتجولون في الشوارع، ويرتادون منازل الرقاة الذين لا يمكنهم علاج هؤلاء حسب التوعية التي أطلقتها الجمعية الخيرية لمرضى الفصام.
لا مراكز متخصصة لتشخيص المرض في المملكة، لا مراكز لمتابعة حالة المريض، لا مستشفيات نفسية تستوعب المرضى، لا قوانين وأنظمة للصحة النفسية، بل ما أقسى إشارة الاستشاري النفسي د. إبراهيم الخضير، وهو يقول: إن وزارة الصحة عام 1985 ذكرت بأن نظام الصحة النفسية جاهز، وسيتم تفعيله خلال أسبوع، ونحن لا نزال بانتظار هذا الأسبوع، لأن الخلاف حول النظام بين الجهات الصحية ورجال الدين والشؤون الاجتماعية والجهات الأمنية لم يزل قائماً، مضت آلاف بل مئات الآلاف، بل ملايين الأسابيع على مدى ربع قرن، والخلاف لم يزل قائماً.
ليس كذلك فحسب، بل يزداد المرضى ويهيمون على وجوههم، وتشقى عائلاتهم بهم، دون أن يوجد نظام، ولا مراكز طبية مختصة، ولا مستشفيات نفسية، المدينة تكبر، والمرضى النفسيون عموماً يزداد عددهم، ولا طريق أمامهم إلا الرقاة فقط، رغم أن الرقية شفاء للناس لكنها ليست بالضرورة علاجاً.
من يشكّ بالآخرين، ومن يسمع الأصوات لوحده، ومن يعاني من الهلوسة البصرية، ويرى ما لا يراه أحد، هو مجرّد «خبل» أو «مهبول» أو به «مسّ» في عرف المجتمع، وليس له حق العلاج أو الحماية، كي يصبح عضواً فاعلاً في مجتمعه، بدلاً من أن يكون رقماً جديداً يضاف إلى «مهابيل» الشوارع!