قبل أكثر من نصف عقد زرت معهد العالم العربي في باريس، منارة حضارية ثقافية للعرب، تكفَّل الفرنسيون والعرب في وضع أساسها، وارتفع مبناها الزجاجي يحاكي الحداثة الفرنسية، ويقدم الأصالة العربية، وحرص أن يكون جامعاً خصائص العرب الأصيلة وحداثة الفرنسيين. كان رئيس المعهد الفرنسي جالساً وبالقرب منه مدير عام المعهد العربي المصري، ولأني صحفي قادم من السعودية فقد شكا إليَّ حال المعهد وقلة الموارد وعدم دعم العرب القادرين لنشر ثقافة العرب.. وإنهم بالكاد ينفذون أعمالهم، ولولا دعم الحكومة الفرنسية لأقفل المعهد أبوابه بعد أن شحَّ عطاء العرب..!!
تذكرتُ كلَّ هذا وأنا أتلقى نبأ توقيع مذكرة التفاهم بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومعهد العالم العربي في باريس والتي وقعها في العاصمة الفرنسية يوم الاثنين الماضي الأستاذ عبد الرحمن العطية أمين عام المجلس والسيد دومنيك بوديس رئيس معهد العالم العربي والسيد مختار طالب بن دياب مدير عام المعهد.
مذكرة التفاهم ستجعل من مجلس التعاون لدول الخليج العربية شريكاً للمعهد، وسوف تساهم دول الخليج العربية في دعم المعهد الذي تخلى عنه العرب..!!
فرحت جداً، واغتبطت أن تتولى دول الخليج العربية بالحفاظ على هذه المؤسسة العلمية الثقافية الحضارية، فلمعهد العالمي العربي في باريس منذ إنشائه عام 1981م دور مميز في نشر وتوسيع إشعاع الحضارة العربية الإسلامية في فرنسا، الدولة الجسر التي تعبر من فوقها الثقافة إلى الغرب أولاً ثم تنتشر إلى باقي المعمورة.
معهد العالم العربي رغم قلة الدعم فهو جسر التواصل بين الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة وبين الثقافة الغربية الحديثة، إذ عالج المسافة التي انبسطت متباعدة على مدى أكثر من قرنين من الاستعمار والهيمنة باعتباره أحد الشرايين المهمة للتواصل والحوار بين الثقافات، ناهيك عن كونه نافذة شاسعة الأبعاد يطل الإنسان الغربي منها على الحضارة العربية بكل ألوانها ويغتني بها.
دور إضافي وفاعل لأهل الخليج أن يجعلوا هذه النافذة الحضارية مشرعة دائماً للتعريف بالعرب وبحضارتهم وثقافاتهم.
jaser@al-jazirah.com.sa