ينطلق القدماء في تفسيرهم ما ينال الفعل من تغير باتصال الضمائر من الفعل الماضي المسند للمفرد مثل (ذَهَبَ)؛ ولذلك لزمهم أن يفسروا تغير الفتحة حينًا وتخلفها حينًا، ولجأوا إلى القول بالبناء، وهو أن تكون الحركة على اللام جزءًا من الفعل أي حرفًا من أحرفه، وقالوا عن الفعل المفتوح إنه يضمّ مع واو الجماعة، وقالوا إنه حذفت الفتحة إن كان الضمير المتصل بالفعل متحركًا مثل تاء الفاعل أو (نا) الفاعلين أو نون النسوة، ومن النحويين من جعله مبنيًّا على الفتح مع الغائب، وعلى الضم مع واو الجماعة (مع أنّه في الحق لا وجود لضمة قبل الواو سوى في أذهان النحويين)، وعلى السكون مع الضمائر المتحركة، وقولهم هذا أقرب إلى وصف البنية الظاهرة ولكنها تفترض أصالة البناء على الفتح.
ولمّا كان الأمر في إطار تفسير الظاهرة حُقّ لأستاذنا الدكتور داود عبده أن يذهب إلى أنّ «الأصل في الفعل سكون آخره»، وجعل هذا عنوانًا للفصل الثالث (ص24) من كتابه (أبحاث في الكلمة والجملة)، وبدأ بمناقشة اللواحق التي تتصل بالفعلين الماضي والمضارع، وعدّ ما اتصل بآخر الفعل الماضي علامات مطابقة بما في ذلك الفتحة آخر الفعل الماضي، فالفتحة على الباء من (ذَهَبَ) هي علامة على أن الفاعل مذكر مفرد غائب ولا يعاند هذا أن جعلت صيغة الفعل هذه صالحة لاستعمالها مع الفاعل الظاهر المتأخر عن الفعل مثل (ذهبَ الرجلان/ ذهبَ الرجال) لأن ظهور الفاعل يغني عن مطابقة الفعل له، فإن تقدم الفاعل وجب أن يطابق الفعل فاعله فيتصل به ما يدل عليه جنسًا وعددًا، كألف الاثنين وواو الجماعة ونون النسوة، وبيّن الأستاذ أن قول القدماء بحذف الحركة (الفتحة) لتوالي أربع حركات لا أساس له، ورأى أن الصواب في افتراض سكون آخر الفعل، وأوضح ما في قول القدماء من صعوبة تعليمية لا تحلّ إلا بالفرضية التي قدّمها، قال: «أما إذا اعتبرت الفتحة في نهاية الفعل الماضي علامة مطابقة، فإن تصريف الفعل يصبح مطّردًا ويصبح تدريسه سهلا: لام الفعل آخر جزء منه، والحركة التي تلي لام الفعل هي علامة مطابقة للمذكر الغائب في مثل (فرِحَ) وجزء من علامة المطابقة في مثل (فرحَتْ) و(فرحَتا)» ص31. ويرى أن هذه الأمر «ينطبق على المضارع أيضًا. فلو كانت الضمة جزءًا من الفعل لوجب ظهورها في مثل (يكتبْنَ)، فليس هناك أي مبرر لحذفها. فحجة توالي الحركات لا مكان لها في الفعل المضارع، إذ ليس هناك توالي أربع حركات في أي فعل مضارع إذا بقيت الضمة» (ص33).