في المقالة السابقة تحدثت عن المعلوماتية وبالمناسبة هي بحر لا يدع عذرًا لأي كان للتحدث عن الفن بعين قاصرة لا ترى إلا ما حولها (اقصد المحلية)، على المعلوماتية الرائدة اليوم أن تقلص حجم المسافات في العالم، الشعورية منها خصوصًا ليكون البعيد حالة أليفة وممكنة، وفي الفن هي الحالة التي نستطيع معها التعامل مع إنجازاتنا الفنية كإنجازات تستحق العالمية. بشرط، أن نرضى عنها بنفس المستوى الذي نرضى به عن الأعمال القادمة من الخارج.
وهنا يحضر سؤال حقيقي، هل كل ما خرج من أعمال سعودية يستحق الهالة التي تشع حوله؟ وهل كل فنان مشتغل على الثيمة الفكرية للفن المعاصر وصل إلى حالة يفترضها المتحمسون دائمة النجاح، أو دائمة الفشل كما يراها الرافضون!.
هذا لم يحدث ولا حتى مع عظماء الفن.. الأمر الذي يتطرق بنا لموضوع أكثر خصوصية يتعلق بشراء اسم الفنان لا الفن نفسه، واعتماد هالة الفنان لا تفاصيلها. وبالعودة إلى أن الفن المحلى المعاصر عندنا مازال في الخطوات الأولى التي تجعل أمر وجوده في غاية الخصوصية، حيث موقفنا موقف المشجع والآمل، في حين لا نريد فيه لفنانينا استمراء مثل هذا الضوء وأخذ فنونهم بحتمية..
الأمر الذي لمسناه من أسماء كان الأمل بإبداعهم كبيرًا، إلا أنه تحول بفعل التعامل مع التجارة الخارجية لمجرد ناقل جيد التقليد لفنون الآخرين مع تغييرات طفيفة، حتى صارت السمة السعودية للفن المعاصر هي في كم يستطيع الفنان السعودي التحوير في عمل أصلي وتقديمه (بجرأة) كفن جديد. نعم تنتقل الفكرة، وتتحول، وتنمو. وهي في هذا السياق من حق الجميع. لكن هذه الحقيقة بإشكالياتها لا تعطي الحق لأي كان مهاجمة الفن المعاصر برمته لأجل مهاجمة شخصين أو ثلاثة.
أمر لاحظته مؤخرًا وبشكل سلبي في أوساطنا الثقافية. فمن حيث نعلم ولا نعلم نجهض الحلم بجيل قادم هو أقدر على التعبير وممارسة الفن بأبدع طرقه المعاصرة، وإن كان ثمة حسنة للفنانين المعاصرين الجدد فهو أن مهدوا الطريق وقدموا مقترحاتهم عن الطرق المبسطه للانتقال من المحلية إلى العالمية.
عدا هذا أظن من الظالم جدًا الحكم على الفن المعاصر برمته من خلال أعمال لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، بينما المعلوماتية التي بدأ بها هذا المقال بصدق لا تترك مجالاً لنا لنفكر في أهمية ممارسة ووجود هذا النوع من الفنون. وأقول: إن كان ولا بد لنا من توضيح القصور فعلى هذا أن يدور حول الأعمال، بحيث نخط منهجًا للنقد ولتداول الفن لا تكون السيرة التراكمية للفنان جزءًا منها إلا في بعد نفسي أو اجتماعي.
الموضوع الذي أجده من الضرورة بمكان للفنان والمتلقي، فالنظر إلى القطعة الفنية كقطعة أولى سيأخذ من الفنان جهدًا عميقًا ومناسبًا في الحين الذي هي للمتلقي حالة عادلة وأكثر توافقًا مع صدق الحالة الفنية المقدمة.