يتميز مجتمع النمل عن غيره من المجتمعات الإنسانية والحيوانية بالنظام الفائق، وهو ما يمكن أن يطلق عليه المجتمع المثالي بما يمثله هذا المجتمع وذلك النظام من تعاون وبناء. فلدى مملكة النمل أنظمة للبناء والرعاية وتربية الصغار والدفاع عن المستعمرة ونظام للتخاطب وآخر للمرور، وهو ما يشبه إلى حد بعيد النظام البشري، بل يفوقه. يقول عز وجل ?وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ?.
وبرغم ذلك فالدراسات الحديثة لهذا المجتمع الغريب تؤكد انتشار الفساد فيه، ووجود مشاكل وقتال بين النمل في سبيل الحصول على الغذاء،كما أن بعض النمل يمارس الغش والخداع والحسد، وأحيانا القتل وأشكالاً من التصفيات النملية لكسب الرزق والحصول على مزيد من الطعام، وتخزينه بعيدا عن أعين البقية!
يقول الدكتورHughes Bill: (إنك إذا تعمقت أكثر في عالم النمل سوف ترى بالإضافة إلى التعاون والنظام، أن هناك مجتمعا موبوءاً بالفساد والاحتيال والمشاكل والفوضى والنزاع والقتال) ويبدو أن الشر لا يقتصر وجوده بين البشر؛ بل هو موجود أيضا في عالم النمل، فهو يستخدم وسائل للخداع والغش والتزييف والمراوغة والحسد من أجل الحصول على طعامه، ومنه مسالم لا يستخدم هذه الوسائل كما أن هناك فقراء وكسالى، وبعضه مستضعف ومضطهد!
وربما رأى أحدنا على الأرض نملة فتأملها بتعجب وهي تعتدي على أخرى لتنتزع منها فريستها، أو شاهد معركة طاحنة بين نملتين تستخدمان فكيهما بطريقة فنية، وتقومان بعملية القتال بحرفية عالية!
العجيب أنه أثناء حدوث إحدى هذه المعارك تمكنت أجهزة تسجيل علمية دقيقة من رصد أصوات عنيفة تشبه أصوات التحطم التي نسمعها في المعارك بين البشر.وفك النملة قوي جداً فحين تطبقه على فريستها يُسمع له صوت نقرة يمكن للأجهزة الحساسة تسجليه. ويقول العلماء: إن سرعة انطباق فكي النملة أسرع من أي حيوان آخر! فقياساً لحجمها يعتبر فكاها أقوى بكثير من فكي التمساح!
وبإمكان النملة الصغيرة السوداء إفراز مادة كيميائية سامة على شكل رغوة ووضعها على رأس النملة الكبيرة الحمراء والقضاء عليها بسهولة. بل إن النملة يمكنها اصطياد صرصور صغير من خلال لدغه بفكيها ومهاجمته وإدخال الرعب على قلبه باستخدام تقنيات شبيهة بتلك التي يستخدمها البشر في اصطيادهم للحيوانات! وهو ما يظهر بأن لدى النمل استراتيجيات في القتال قد يتفوق بها على عالم البشر! وربما تعرض أحدنا للدغ نملة سوداء لم يرها فقضى يومه منزعجا ومتألما من قرصتها السامة.
ولا يمكن أن نتجاهل التعاون وتحمّل المسؤولية الذي يميز مجتمع النمل، فهو يعيش منسجما بشكل اجتماعي بعكس حياته الفردية التي تتسم بالحدة والتنافس، وهو ما جرى ذكره في سورة النمل وقصة إحدى النملات حين حذرت زميلاتها من حضور النبي سليمان عليه السلام ونصحتهن بالدخول للمساكن، في قوله تعالى: ?قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده? فلدى النمل حسابات دقيقة لا يمكن تفسيرها أو فهمها.ولا أخال أحدكم لم يرَ جسرا حياً من النمل، تقوم النملات بصف أنفسهن بطريقة هندسية تشبه طريقة تصميم الجسور بتقنية معقدة جداً وذكية ومتطورة لتعبر عليه النملات الأخريات للقيام بسطو على بقايا طعام.
وبرغم ذلك فلا تزال الكثير من الأشياء مجهولة في هذا العالم العجيب وهو ما يحاول العلماء الكشف عنه والاستفادة من خبرات النمل في المجالات الإنسانية والتأقلم بشكل عام!
أما الحكمة النملية فتتمثل في أن النملة تدرك أن وجودها وقوتها مقرونة بالتعاون والتكافل وتحمل المسؤولية والتكيف، ودون ذلك، يمكن التخلص منها في دعسة قدم، ولا أسهل!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com