وكأنما كوكبنا الأرضي، قد تحوّل إلى مدرج كبير، يتابع كبرى احتفالات بني الإنسان المعاصر: مونديال كرة القدم 2010م.الاحتفالية الكبرى، يحضرها مئات الملايين في الملعب، والمقاهي، والبيوت والساحات وكل مكان فيه نافذة مرئية تنقل الحدث بألوانه وضجيجه وأصوات المعلّقين والمحللين والمعلنين.
الاحتفالية الكبرى، تقام تحت شعار: (لنحتفل ..)، راقصتها الرئيسية السيدة (جابولاني).. (الكرة) التي اختار لها أصحاب أرض المونديال هذا.. المسمّى، اشتقاقاً من لغة قبيلة الباتو إيسيوزلو التي يتكلمها 25% من سكان جنوب أفريقيا ذات الـ11 قبيلة، والـ11 لغة.
الكرة (جابولاني) أخضعت قبل دحرجتها في ملعب الكرة إلى سلسلة من الاختبارات والتجارب والدراسات في جامعة لوفبوريه بإنجلترا وفي معامل أديداس في سنفيلد بألمانيا، لتكون بذلك أكثر تصاميم الكرة الجديدة دقة و(جديرة بالركل ..) حسب ما علّق به نجم الكرة الإنجليزية لامبارد.
احتفالية العالم المشتركة، سوف تدر على الفيفا 2.6 مليار يورو عداً ونقداً، منها فقط 1.6 بليون يورو مقابل عائدات بث المباريات تلفزيونياً. ولهذا بات المونديال وأية مونديال يمثل سوقاً حيوياً للتسويق الاستهلاكي والخدماتي لكبريات مصانع وشركات العالم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، شهد سوق أجهزة التلفزيون في فرنسا تسويق 250 ألف جهاز تلفزيون قبل بدء ركل السيدة (جابولاني) على أصوات مزامير ال(فوفوزيلا) التي ضوضأت آذان سكان المعمورة.
الحدث الكروي الأكثر شعبية في العالم (المونديال) بات أكبر تظاهرة تسويقية ودعائية وترويجية تتنافس في ظلها وظلالها كبرى شركات ومصانع السلع الاستهلاكية، وهي أيضاً مناسبة هامة وحيوية للتعريف بالثقافات والتقليعات، ووسيلة جديدة يتزاحم فيها السياسيون للتواجد.. وما يلزم.
سابتسم، مع السيد بلاتر (زعيم) الفيفا، حينما حذّر حكومة فرنسا من التدخل في شأن اتحاد الكرة الفرنسي! مهدداً بأنّ تدخلها حتى ولو كان على المستوى الرئاسي قد يتسبّب في إيقاف نشاط اتحاد الكرة الفرنسي.
بلاتر قال علناً: هذه رسالة واضحة..، ردة الفعل البلاترية جاءت بعد أن طالب الرئيس الفرنسي ساركوزي بإعادة هيكلة كرة القدم.. وهو ما عدّه رئيس الفيفا: تدخلاً في شأن اتحاد الكرة الفرنسي الذي، وحسب الأعراف الدولية وشروط الفيفا، أن لا تكون الاتحادات الرياضية تابعة للحكومات، ولا تتدخل بشئونها ولا سلطة لها عليها.
البرلمان الفرنسي، وبعد إخفاق منتخب الكرة في المونديال، استدعى رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم جانا اسكاليت ومدرب المنتخب الوطني الفرنسي ريمون دومينيك، لجلسة استماع مغلقة استمرت ثلاث ساعات.
رئيس الأكثرية في البرلمان الفرنسي جان فرانسوا علّق على هذه الجلسة بأنها ذات نتيجة (حزينة).. فقد كشفت عن سوء عمل نظام القيادة والإدارة.. في اتحاد الكرة.. وأن من الضروري تحديث هذا النظام بشكل عام ..).
البرلمانيون الفرنسيون ردّوا على فزعة بلاتر بقولهم: إن استدعاء مسئولي اتحاد الكرة للبرلمان جاء من (مبدأ الاستماع بهدف تحديد أسباب الفشل .. وتقصيه!).
وزيرة الرياضة الفرنسية الجميلة الأنيقة رماياد انتقدت منذ بدء المونديال فخامة الفندق الذي يقيم فيه المنتخب الفرنسي والهدر المالي في وقت الأزمة الاقتصادية مستغربة اختيار فندق سعر الغرفة فيه 580 يورو في الليلة الواحدة.
إذاً.. سأبتسم ابتسامتين: الأولى معجبة وأخرى متعجّبة. الأولى لحضارية الفرنسيين وديموقراطيتهم وإخلاصهم لوطنهم وللعمل الجيد والجاد من أجله وبين قوسين (حال وأحوال ما يحدث في بلدان الكسالى وأصحاب الوقف الرياضي في العالم النائم).
الابتسامة الثانية، متعجّبة من تناقضية السيد بلاتر التي تجعله منافقاً في نظري، لكونه على الأقل.. يلتزم الصمت والتغاضي عن ما يحدث لاتحادات كروية لازالت مرتبطة بحكوماتها ارتباط الرضيع بأمه.. رغم أن الرضيع تجاوز سن من أجاز له العبيكان بالرضاعة!.. إلاّ أنه بنظر أمه لابد أن يكون وضيعاً إلى أبد الآبدين.
لا .. لوزارة الرياضة .. لماذا؟
أسقط 99 عضواً شورياً توصية دعت إلى تحويل الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة.
أحد أعضاء مجلس الشورى علّق على هذا الرفض بتساؤله: هل تستحق أن نكافئها بأن تتحول إلى وزارة. وطالب الدكتور عبدالله بخاري بإعادة الهيكل التنظيمي الحالي للرئاسة قبل تحويلها إلى وزارة. لافتاً إلى أن الرئاسة تستحوذ على ميزانيات ضخمة أكثر من بعض الوزارات وهي لا تستحق تلك الميزانيات. وكان مجلس الشورى في إحدى جلساته قد طرح عدة تساؤلات وملاحظات حول ضخامة ما يصرف على الصيانة والتشغيل من ميزانية الدولة للرئاسة العامة لرعاية الشباب والتي تتجاوز الـ70% من إجمالي الميزانية وهو ما لا يوجد له مثيل في وزارات أو هيئات أخرى وربما على مستوى العالم، وأبدى ملاحظات حول طريقة ترسية مناقصات الصيانة.
طبعاً .. صفحات الكرة لم تغط هذا الحدث.. وإنما نشرته معظم الصحف خارج صفحات الرياضة، وقصقصت ما حدث من تعليقات ومطالبات لأعضاء المجلس الشورى، وفي ذلك استفهام يدعو .. للابتسام، والشفقة على ما آلت إليه أحوال (شريك النجاح) الذي لا يمل مسئولون منتفعون من طبطبته، بمناسبة وبدونها.. وهو ما يدعو فعلاً.. للابتسامة بسعة خارطة وطننا السعودي الأغلى من أية غالٍ.
اتساع ميدان الرياضة
الكاتب المونديالي، زميلنا الأستاذ محمد العبدي، تواجد بعموده الصغير بحجمه، الكبير بمعانيه وغاياته.. كتب سطوراً من نور، تقول: إن الوصول إلى الهدف لا يأتي بالتمني والوعود والتصريحات. إن العمل من أجل الوطن وللوطن هو وحده الوسيلة لبلوغ الأهداف. إن العمل بروح الجماعة هو ما يقود الفرد للتألق والإبداع والنجومية..
المفكر العربي محمد مخلوف، كتب في نفس السياق الذي نثره الزميل القدير العبدي، وقال في مقاله عن المونديال العالمي ما نصه: (يكفي القليل من الملاحظة، كي نفهم أن صعود البعض وتراجع آخرين، ومراوحة الباقين في المكان.. هي أمور لا تحدث بمحض الصدفة. إنها تعبير صحيح عن إرادة النهوض والانتماء إلى العصر).
فعلاً.. باتت المسألة الرياضية متجاوزة (مربعها) التقليدي الذي يصر حراس الرياضة التوارثية وملاّك أوقافه العتيقة تحويط دائرته، لا يريدونها أن تتسع وتستقل، لذلك صار الطرح الرياضي متجاوزاً حدود صفحات الكرة. وأيضاً بات الطرح في صفحات الكرة رياضياً شمولياً، ليجعل مقالات التشجيع والتصفيق وزبرقة رئيس النادي والنجم المحبوب وهرطقات القبائلية النادي الرياضي.. من شأن بريد القراء ومنتديات الكورة التابعة لرئيس النادي هذا، أو لأخيه، أو بني عمومته وأتباعه وأبواقه..
الراصد لمقالات صفحات الرياضة في الجزيرة، يتأكد أنّ الطرح الإعلامي السعودي الرياضي متعدد الاهتمامات، متجاوز لتسطيحية وكتّاب المشجعين للأندية، لتكون صفحات الرياضة في الجزيرة حقلاً ناضجاً، يقود ريادية التغيير في غاية وماهية النقد الرياضي النهضوي، الذي غايته أولاً وأخيراً ما يفيد ويعين رياضة الوطن على مزيد من التطور والرقي وسيادة الرياضة النظيفة والنافعة، والمواكبة لمنجزات التقدم في قطاعات النهضة السعودية المعاصرة، التي يقود دفة أبحارها ملك الإصلاح الوطني عبدالله بن عبدالعزيز أمد الله بعمره.
سأختم، وطالما أن الحديث المونديالي، لأهمية ما ذكره اندريه س. ماركويتس، ولارس رينزمان مؤلف كتاب (تحويل العالم إلى لعبة). وهما أستاذان في جامعة ميتشجيان، ونشرتها الجزيرة في صفحاتها الرياضية.
من أهم ما قاله الكاتبان عن قضية تحكيم كرة القدم: ضرورة تجاوز الإصرار المحير من جانب السلطات المسيطرة على الرياضة، وتكييف قواعد تعود إلى القرن التاسع عشر مع الإمكانيات المتوافرة في القرن الحادي والعشرين.
بالفعل.. لابد من إحداث ما يشبه (الانقلاب) في آلية وأسلوب التحكيم في لعبة كرة القدم.. لكون أن الأخطاء التحكيمية في معظمها لا تنتج عن إهمال أو إغفال الحكام أو عدم كفاءتهم. إنما هي أخطاء ناتجة عن ما حدث من تطور وتغيير في أسلوب اللعب الأدائي والتكتيكي للعبة، حيث باتت ذات رتم سريع ومتسارع في مساحة كبيرة من الأرض مقارنة بألعاب أخرى يتجاوز من يدير تحكيمها ثلاثة حكام مباشرين.
إذاً.. وطالما نحن في زمن يملك بقبضته وسائل تقنية ذات فاعلية في ضبط أخطاء الملعب ويسير (التكلفة وسهلة التعامل معها، ما المانع من استخدام التقنية لمساعدة الحكم على تحديد قراره، وبالذات في الأحداث المؤثرة، والناتج عنها تسجيل أو إلغاء هدف أو ضربة جزاء.. مثلاً).
لن ابتسم، قبل أن أختم المقالة: لكون من يطرح الحلول، والاقتراحات في مسائل لعبة رياضة ككرة القدم.. ليس منا أحد بينهم، يلبس الغترة، ويمسمس المشلح.
قناة النادي الغالي
في سجل بطولات الموسم الرياضي، يحتل الهلال - كالعادة - المركز الأول كأكثر أندية المملكة تحقيقاً للمنجزات الرياضية في مختلف الألعاب الرياضية. فنادي (الشعب) الكبير ما صار كبير أندية الوطن السعودي وأكثرها جماهيرية إلا بفضل مشاركاته وإنجازاته.
نادي الفتح من الأحساء جاء ثاني الأندية يليه الوحدة، فالجزيرة، والصواب، وعكاظ، والأهلي، والجيل، والخويلدية، والاتحاد، والنور.
العجيب، الغريب أن الأندية الصغيرة بإمكانياتها، الكبيرة بمنجزاتها كالفتح وعكاظ والصواب والنور وغيرها هي الأكثر مساهمة وحضوراً في خدمة الرياضة السعودية.
إلا أن هذه الأندية.. لا وجود ولا تواجد لها في قناة وطنها الرياضي - مع الأسف.
فيما يحتل معظم المساحة في الاهتمام والمتابعة والمشاركة نادي القناة (الغالي) الذي لا وجود له في سجل المنجزات السعودية السنوي، حيث تجده متوارياً في منجزاته خلف خمسين نادياً صغيراً محجوبة عنها قناة الرياضة السعودية بسبب النزق التشجيعي المنحاز الذي يحدد ويبرمج حال وأحوال قناة الرياضة السعودية - المغلوب على أمرها.
لابد من إعادة الأمور في القناة الرياضية السعودية، وتخليصها من كتائب المشجعين الذين وضعوا مصالح ناديهم (الغالي) في كفة وبقية أندية العطاء الرياضي الوطني.. في (كفة).
ما يجب أن تظل أوضاع القناة الرياضية على ما هي عليه.. تلعب في ساحتها أهواء التشجيع ونزقه.. لابد ان تكون لرياضة الوطن، لكل أنديته بمعيار موضوعي منطقي عادل يعطي النادي الأكثر بذلاً ومساهمة وعطاء لرياضة بلاده في كل ألعاب الرياضة أولوية التواجد والحضور.. وليس من خلال معيار.. أكثر نادٍ يمتلك مشجعين له في القناة.. هو الأكثر حضوراً.. وتواجداً، رغم أنف الخمسين نادياً ذوي الأولوية التي تفرضها منطقيات العدل ومكافأة المتنافسين في خدمة ألعاب وطنهم الرياضية.
* خاب عشمهم برئيس ناديهم ... ولذلك حديث قادم.