تُرى هل يتحقق «المجتمع المتناغم» الذي ينادي به الرئيس الصيني هو جين تاو بلا انقطاع في علاقات الصين مع تايوان؟
قبل أن يصبح ماينج جيو رئيسًا لتايوان (المعروفة رسميًا باسم جمهورية الصين الوطنية) في مايو - أيار 2008، كانت تايوان تصوّر في الصين بانتظام باعتبارها كيانًا «مثيرًا للمتاعب» وكانت السبب الرئيس للتوتر بين الصين والولايات المتحدة. والآن أصبحت تايوان بمثابة تجسيد لشكل من أشكال الانقلاب الدبلوماسي، وذلك لأنها لم تعد تعمل على إثارة المتاعب. ولم تكن تايوان على صعيد الحوار الإستراتيجي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين تُذكَر إلا بالكاد، حيث كانت قضايا أخرى مثل كوريا الشمالية وإيران وقيمة الرنمينبي تستحوذ على القدر الأعظم من الاهتمام.
وكان من قبيل الظلم دومًا أن تشوه صورة التايوانيين لمجرد رغبتهم فيما يعدّه أغلب الناس في مختلف أنحاء العالم أمرًا مسَلَّمًا به: احترام حقوقهم الإنسانية الأساسية وأسلوب حياتهم، بما في ذلك الحق في اتخاذ القرار بشأن مستقبلهم من خلال عملية ديمقراطية. بيد أن الصين ترفض مثل هذا التوجه العاطفي فيما يتصل بتقرير المصير. وبوصفها قوة صاعدة فإن الصين ليست بالقوة التي قد يستخف بها زعماء العالم، وحتى الديمقراطيين منهم.
فلسنوات طويلة ظل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين على إصراره بأن تايوان تشكل «مصلحة وطنية أساسية»، بالرغم من أن تايوان ظلت قائمة كدولة فعلية لمدة ستين عامًا. وكانت الصين تهدد لمدة طويلة باستخدام القوة إذا اعترف المجتمع الدولي رسميًا باستقلال تايوان. ولكن الجو تغير تدريجيًا خلال السنوات الأخيرة، وتحوّل لقب «مثيرة المتاعب» الذي كان شائعًا أثناء ولاية الرئيس تشين شوي بيان زعيم الحزب التقدمي الديمقراطي وسَلَف ماينج جيو، تحول إلى لقب منسي ولم يستخدم طيلة العامين الأخيرين.
لا شك أن تايوان تحت زعامة الرئيس ماينج جيو ما زالت راغبة في الحصول على نفس الحقوق التي كانت تريد الحصول عليها تحت زعامة الرئيس السابق تشين شوي بيان. ولكن ماينج جيو تبنى نهجًا مختلفًا. فقد عمل على تخفيف التوترات مع الصين من خلال التركيز على القضايا التي يتفق عليها الطرفان.
ولقد وجد قادة الصين أن اللغة التي يستخدمها ماينج جيو مسالمة. فهو يسعى إلى تعزيز المصالح الوطنية التايوانية من دون استفزاز التهديد الذي أطلقته جمهورية الصين الشعبية باستخدام القوة. ولقد سعى إلى تعزيز الروابط بين الجانبين في مجال التجارة والنقل.
والواقع أن إستراتيجية ماينج جيو تناسب الصين، التي يرحب قادتها بقدرتهم على تجنب المواجهة مع تايوان، وذلك نظرًا لتركيزهم الحالي على هندسة «النهضة السلمية» التي تعيشها بلادهم، فضلاً عن ذلك فإن الصين لا ترغب في عودة الحزب التقدمي الديمقراطي وقادته المناصرين للاستقلال إلى السلطة.
وحين هبطت شعبية ماينج جيو بشكل كبير مع معاناة اقتصاد تايوان من الأزمة المالية العالمية، بادر قادة الصين إلى العمل مع ماينج جيو على اتقاء الوصول إلى مثل هذه النتيجة. ولقد سمح هذا لإدارة ماينج جيو بنسب الفضل إلى نفسها فيما يتصل بتحسن العلاقات مع الصين. ولكن الأسباب الأساسية الكامنة وراء التهديد باندلاع حرب بين الصين وتايوان والنزاع بين الصين والولايات المتحدة، التي طالما التزمت بدعم تايوان في حالة سعي الصين إلى تحديد وضعها بقرار أحادي الجانب، لم تختف بعد. فما زال الحزب الشيوعي الصيني ملتزمًا بإرغام تايوان على قبول فكرة «التوحيد» في نهاية المطاف، في حين يظل أهل تايوان عازمين على تقرير مستقبلهم بأنفسهم. ولكن ليس بالضرورة أن تكون مصالح كل من الطرفين متضاربة. ذلك أن الحق في تقرير المصير الوطني لا يعني التأكيد على الاستقلال بحكم القانون.
على سبيل المثال، لم يسفر الاعتراف بحق اسكتلندا في اختيار الاستقلال عن انسحاب اسكتلندا من المملكة المتحدة. والواقع أن ما يريده أهل تايوان لا يزيد ولا يقل عن الاعتراف بحقهم في اتخاذ القرار بشأن مستقبلهم.
ونظرًا لانعدام الثقة العميق على الجانب الصيني، فإن الصين لن تصدق أبدًا أن رئيس الحزب التقدمي الديمقراطي الذي يصر على حصول الشعب التايواني على حقه في تقرير مصيره لن يسعى حثيثًا إلى الاستقلال. ولكن ما دام قادة الصين يدركون أن ماينج جيو لا يناصر الاستقلال، فسوف يكون بوسعهم أن يستمروا بقدر أعظم من الاتزان في مساندة التزامه بدعم جمهورية الصين على تايوان. وإذا كان من الوارد على الإطلاق أن تتوصل الصين وتايوان إلى الوسيلة الكفيلة بضمان عدم تصعيد المواجهات في المستقبل إلى حد جر الولايات المتحدة إلى الصراع، فإن الفرصة سانحة لتحقيق هذه الغاية الآن. ويتعين على ماينج جيو أن يعمل على إيجاد إجماع واضح داخل تايوان على أن قضية الاستقلال في مواجهة التوحيد ليست أكثر من قضية زائفة. فالقضية الحقيقة تتلخص فيما إذا كان الجانبان قادرين على الإقرار بأن الشعب التايواني لديه الحق في اتخاذ القرار بشأن مستقبله.ولا بد من إقناع قادة الصين بأن التسليم بهذه النقطة لا يعني السماح لتايوان بالتحرك نحو الاستقلال بحكم القانون. وقد يتطلب هذا أن يهجر أهل تايوان ميلهم إلى عقد الاستفتاءات على نحو منتظم لإثبات تمتعهم بهذا الحق. كما يتعين على جمهورية الصين الشعبية أن تعترف بأن أفضل وسيلة لإغراء أهل تايوان وحملهم على تبني فكرة الوحدة يتلخص في جعل هذا المقترح جذابًا إلى الحد الذي يجعلهم عاجزين عن رفضه أو مقاومته. ولا حاجة إلى تحديد جدول زمني لهذا، بل ينبغي للصين بوصفها قوة عظمى أن تشعر بالثقة في أن الوقت يعمل لصالحها.
إن العالم أجمع يتقاسم مصلحة مشتركة تتلخص في منع الخلافات بين تايوان والصين من التحول إلى سبب للمواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة والصين.
ولقد نجح ماينج جيو في خلق الظروف الضرورية لنزع فتيل هذا التهديد. والآن يتعين على بقية العالم أن يسارعوا إلى دعمه في إزالة هذا التهديد إلى الأبد، حتى تستمر تايوان في التلاشي باعتبارها مصدرًا للقلق العالمي.
* استاذ وزميل دراسات تايوان في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد
خاص بـ(الجزيرة)