لازلنا نعيش داخل إشكالية هوية المرأة، أو «البطاقة» الشخصية التي تمنحها كيانًا اعتباريًا وقانونيًا مثلها مثل أي مواطن «راشد».
مضى الآن تسع سنوات على صدور موافقة منح المرأة هوية وطنية، وتحمس النساء وتوافدن على الأقسام النسائية لإصدار هذه البطاقة، في البداية كان لا بد من موافقة «ولي الأمر» لتتمكن المرأة من استخراج البطاقة، أما الآن فلم يُعدُّ هذا الشرط.
منذ تسع سنوات ونحن نعيش بين «شد» و»جذب» أن تكون المرأة مواطنًا كامل الأهلية، أو لا تكون!
خرج «المتطرفون» من كل حدب وصوب في محاولات بائسة لإيقاف هذه الخطوة التي أراها (إنسانية) أولاً، أراها كذلك؛ لأنها حق إنساني ووطني.
محاولات «المتطرفين» للوقوف في وجه هذا القرار خرجت بحجة (الصورة) وأن وجه المرأة عورة! إلا أن الفقهاء الوسطيين أوضحوا استنادًا على الأدلة والبراهين أن وجه المرأة ليس بعورة، لذا لا حجة لهم، ومع ذلك لازالوا مصرين على موقفهم.
وفي محاولة سريعة لقراءة هذا التشدد في الوقت ذاته الذي يتم فيه استغلال الملابس النسائية في الأعمال الإرهابية، أتصور أن السبب قد اتضح، وأن موقف هذه الفئة من بطاقة المرأة وصورتها قد تبيّن أهدافه، فليس من صالحهم أن يكون للمرأة «بطاقة» وإلا فكيف سيرتدون العباءات والنقابات ليفلتوا من قبضة رجال الأمن؟
مضت الأيام، ولم تنجح محاولاتهم، لكنها في الواقع أخرت كثيرًا من تفعيل «بطاقة» المرأة، حيث بدت في السنوات الخمس الأولى (شكلية) لا تستفيد منها إلا في المعاملات البنكية وليس في كل هذه المعاملات، وبعد صدور قرار إنشاء المجالس البلدية، جاءت حجة عدم مشاركة المرأة بسبب أن ليس لدى كل النساء بطاقة، وفي الواقع، آنذاك، كنت من ضمن المتحمسات لتوعية النساء بضرورة إصدار البطاقة، وكتبت عشرات المواد الصحافية من أجل دفع النساء لإصدار بطاقة هوية، وكانت هناك أدوار نسائية قوية في هذا الشأن، أتذكر إحدى الصديقات الأكاديميات قامت بتشجيع طالباتها في الجامعة لإصدار البطاقة، بل كانت تمنح كل طالبة تصدر بطاقة ثلاث درجات، وهذا عمل فردي تشكر عليه ومثيلاتها، ومضت الأيام ولم نعد نسمع أن هناك (امرأة) لا تملك بطاقة، فكلّما تم تفعيل عمل هذه البطاقة زاد حماس النساء.
أخيرًا، وبعد «صبر» وطول انتظار، تم الاعتراف بهوية المرأة داخل المحاكم، هذه الإشكالية العويصة التي جعلت المرأة لسنوات طويلة كائنًا غير مُعترف بأهليته داخل هذه المحاكم!
وكنا نرى ونسمع عن حجم التلاعب الذي يقوم به رجال فاقدو الذمة والضمير بالتزوير والتدليس، فالقاضي لا يرى أمامه إلا كائنًا مغطى بالسواد، فما الذي يؤكد له أن هذا الكائن هو المرأة صاحبة القضية؟ وإن كان هناك ما يسمى ب»المعرف» فمن أين يثبت لنا أن المعرف أو المعرفين ليسوا متواطئين مع الرجل الكاذب؟
كثيرة هي الإشكاليات والقضايا التي تحصل، وكثيرة هي الكتابات التي نقرؤها سواء في الإعلام الغربي أو العربي التي اتخذت هذه النقطة مدخلاً ضد السعودية، وفي هذه الحالة لا نستطيع الرد، ولا يمكننا محاجتهم أو تكذيبهم، لأن ما نقلوه واقعًا نعيشه.
إن تفعيل العمل ببطاقة المرأة داخل أروقة المحاكم، هو عمل إنساني حضاري وطني، وديني أيضًا، يبقى أن يكتمل العقد الحقوقي وأن نرى النساء يعملن في هذه المواقع، لأن جماهيرها من الجنسين ولا يصح أن يبقى يعمل فيها (الرجال) وحدهم، فمن سيخدم النساء؟
www.salmogren.com