نقرأ أحياناً أو نسمع من يقول الأنظمة الوظيفية في بلادنا قديمة ومعقدة وغير متطورة، وإذا سئل عن موقع ذلك التجمد أو التعقيد أو غير المتطور في تلك الأنظمة تجده أحياناً ينطلق من مصلحة وظيفية خاصة لم تتحقق ،
لتعارض مصلحته مع القاعدة النظامية التي تعالجها وأحياناً تراه يطالب بزيادة المزايا المادية الموجودة بالأنظمة أو تفاجأ بأن ليس لديه إجابة عن السؤال.
وهذه المقولة التي يطلقها البعض عن تأخر الأنظمة الوظيفية وعدم تطورها واتسامها بالتعقيد ليست جديدة بل لها جذور قديمة ويمكن أن يكون في تلك المقولة في جذورها القديمة بعض الصحة عندما كانت الأنظمة الوظيفية في بلادنا مستقاة في بعض أجزاء منها من غير البيئة الاجتماعية بحكم الاعتماد على الخبرات غير الوطنية في وضع تلك الأنظمة وذلك لقلة المؤهلين في مجال الأنظمة من السعوديين في ذلك الوقت إضافة إلى الضعف العام لمستوى الأنظمة في منطقتنا الإقليمية آنذاك.
إلا أنه على أثر الجهود التي بذلت منذ سنة 1379هـ بإنشاء معهد الإدارة العامة سنة 1380هـ وإرسال بعثات لخارج المملكة للتخصص في مجال الإدارة يعتبر وصدور نظام الموظفين لسنة 1391هـ الذي يعتبر ولوائحه التنفيذية اللذين صدرا من واقع البيئة السعودية بداية الانطلاق نحو التطوير والتحديث في أنظمة الموظفين في المملكة لما تضمناه من مبادئ وأفكار جديدة منها ما يلي:
- اعتبارهما الجدارة هي الأساس في شغل الوظائف العامة والجدارة هي مجموعة من العناصر والصفات تتعلق بالكفاءة الفنية والإدارية والعلمية والانضباط في العمل وحسن التعامل والسلوك ونحو ذلك، وعليه أكد هذا النظام أن التعيين على الوظائف العامة يتم بالمسابقة، والترقية تتم بالمفاضلة.
- تصنيف الوظائف حيث بدأ في ظل هذا النظام ولوائحه التنفيذية التصنيف الحقيقي للوظائف، فقد تم تقسيم الوظائف العامة إلى ست مجموعات وتقسيم كل مجموعة إلى العديد من المجموعات النوعية ومجموعات الفئات.
- إسناد مهمة التوظيف لديوان الموظفين (وزارة الخدمة المدنية) حاليا من أجل توحيد إجراءات شغل الوظائف العامة وضمان الحيدة والنزاهة في عملية إشغالها.
- وضع قواعد جديدة لترقية الموظفين وتكليف وزارة الخدمة المدنية بمراجعة إجراءات الترقية قبل صدور قراراتها.
- إقرار العديد من المزايا المادية من بدلات ومكافآت وتعويضات مما لم يرد في الأنظمة السابقة.
- تسهيل موضوع تمتع الموظف بإجازته السنوية وحثه على ذلك للفائدة التي تعود عليه وعلى جهة عمله من ذلك.
وفي سنة 1397هـ حدثت نقلة تطويرية أخرى في مجال الأنظمة والموظفين والأجهزة ذات العلاقة حيث تم استحداث مجلس الخدمة المدنية وصدور العديد من الأنظمة واللوائح الجديدة المتعلقة بحقوق وواجبات الموظفين ومنها نظام الخدمة المدنية، ولائحة الوظائف التعليمية، ولائحة الوظائف الصحية ولائحة الوظائف الدبلوماسية ولائحة الترقيات ولائحة الإعارة، ولائحة التكليف، ولائحة الإجازات، ولائحة تقارير الإجازات المرضية، ولائحة التعيين ولائحة النقل ونحو ذلك، وإضافة لذلك فقد قام مجلس الخدمة المدنية بإجراء العديد من التعديلات عليها بهدف إعطائها المزيد من التطوير أو إلغاء ما قد ورد بها من سلبيات، فقد أصدر المجلس منذ إنشائه في سنة 1397هـ ما يزيد على (3000) قرار الغالبية منها يتسم بالطابع التنظيمي.
فهل يعد كل ذلك توصف الأنظمة الوظيفية في المملكة بالجمود والتعقيد، نعتقد أن الإجابة المنطقية والمتعقلة تقول بعكس ذلك بعد أن رأينا كيف توالي الأنظمة واللوائح والتعديلات المستمرة التي تتم عليها من قبل مجلس الخدمة المدنية منذ أن بدئ في الإصلاح الوظيفي والإداري سنة 1379هـ وهو أمر ينفي أيضاً مقولة التعقيد في الأنظمة إلا إذا كان المقصود بالتعقيد حرص الأنظمة على أن يتم تعيين الخريجين وفقاً لقواعد ومعايير محددة تحدد الأولويات بينهم، وكون الترقيات تتم حسب قواعد واضحة تكفل ترقية ذوي الكفاءة، وكون الأنظمة قد حددت شروط وضوابط منح المزايا المادية من بدلات ومكافآت وتعويضات وترشيد صرف هذه المزايا إذا تطلب الأمر ذلك وحرص الأنظمة على أن يتمتع الموظف بإجازته السنوية وقصر مدة تعويضه عنها في حدود (180) يوما وهي أمور لا تمت بأي صلة لمظاهر التعقيد بل هي تتمشى مع مبادئ الجدارة والمساواة والعدالة إلا أن السلبية التي قد تتراءى للبعض ربما تعود لبعض مظاهر التطبيق مما يعني أن الخلل ليس في الأنظمة بل في عملية التطبيق، وهو أمر يتطلب من الجميع التعاون في سبيل التطبيق السليم للأنظمة ومراعاة مبادئ العدالة والمساواة في تطبيقها والذي يتمشى مع ضرورة تطوير الأنظمة واللوائح الوظيفية وتطبيقها بالعدالة والمساواة، وقصر المزايا الوظيفية والترقيات على الموظفين ذوي الكفاءة والجدية، والحث على سرعة إنجاز الأعمال والانضباط في الدوام وهو ما يتمشى مع مبادئ وروح الأنظمة.
asunaidi@mcs.gov.sa