يعد (الفيفا) الاتحاد الدولي لكرة القدم أقوى سلطة كروية في العالم ولا يستمد الاتحاد الدولي قوته فقط من مجمعيته العمومية التي تضم أكثر من مائتي دولة فهو ينافس الأمم المتحدة في هذا الرقم!! بل من الأموال الهائلة التي تدرها عليه الشركات الراعية للحقوق والتي تضاعفت بشكل جنوني خلال العقدين الماضيين.. هذا الاتحاد الدولي ومع إيماننا بدوره في بناء كرة القدم في العالم وتطورها لكنه أصبح يستخدم سلطته لتصبح تسلطاً فهو يهدد الدول ذات السيادة لمجرد تدخلها لتطوير منتخباتها وكرة القدم فيها.. والحقيقة أن الفيفا يعلم لكنه يتجاهل الفرق الكبير بين تمويل كرة القدم والرياضة عموماً في دول العالم الثالث والدول النامية وبين الدول المتقدمة كروياً والتي تعتمد على الشركات والرعاة في دعم الرياضة.. فالحكومات في الدول النامية بل في كثير من الدول هي التي تدعم الرياضة سواء من حيث البنية التحتية المتمثلة في المنشآت أو التمويل، وبالتالي فلا يمكن لا رقابياً ولا منطقياً ولا عقلياً ألا تحاسب الحكومات منتخباتها إن هي أخفقت في تمثيل بلدها أو قدمت صورة غير مشرفة للرياضة في هذا البلد أو ذاك.. إن الفيفا يعلم أن السياسة تلقي بظلالها الدائم على الرياضة ومهما حاولت اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا إقصاء السياسة عن الرياضة فلن يستطيعا والدليل مقاطعة الغرب للألعاب الأولمبية في الاتحاد السوفيتي عام 1980م والرد بالمثل عام 1984م عندما قاطعت الكتلة الشرقية الغرب!! أليست السياسة هي من فعل هذا!!
مشكلة الفيفا أنه غرق في التسلط لا في السلطة.. خذ مثالاً.. من التدخلات غير المنطقية.. هذا الأسبوع أمر الفيفا الاتحاد العراقي لكرة القدم ألا تجري انتخاباته في عاصمة بلاده بغداد.. بحجة عدم توفر الأمن.. أليس هذا تدخلاً صارخاً في سيادة الدول! ثم كيف يهدد الاتحاد الدولي فرنسا لمجرد أن البرلمان يتساءل ويستفسر أليس البرلمان هو لسان المواطن وممثل الشعب؟ وإذا رأت دولة ذات سيادة مثل نيجيريا أن منتخبها لم يشرف بلاده وأنها ترى إيقاف مشاركاته عامين كي يتم إعادة ترميم المنتخب ومعالجة أسباب إخفاقه: أليس هذا حقاً مشروعاً يطالب به الشعب قبل الحكومة! إذن من يحاسب من؟ وكيف للفيفا أن يتسلط على الشعوب وعلى الدول بهذه الطريقة.. ألم يكن لديه حلول أخرى؟ أين جمعيته العمومية التي يفترض أنها السلطة العليا فيه؟ أين هي من طرح مثل هذه التساؤلات الكبرى؟ أم أن الجمعية العمومية تسير في ركاب أكابر الاتحاد الدولي وليس لبعض أعضائها من الدول النامية حول ولا قوة! إن الفيفا حالياً إمبراطورية مالية كبرى أكبر منها إمبراطورية كروية! فالمال هو الذي يسير أعمالها ولجنة الفيفا التنفيذية - لا الجمعية العمومية- هي التي تتخذ القرارات المصيرية، مثل استضافة كأس العالم وغيره وهذا بالتأكيد مسار تساؤل كبير فأعضاء اللجنة التنفيذية يواجهون ضغوطاً هائلة عند اتخاذ القرارات الصعبة، وأعتقد أن على الفيفا أن يعيد النظر في بعض سياسته حتى لا يأتي اليوم الذي يرى نفسه فيه أمام مواجهة مع الأمم والشعوب التي تعشق كرة القدم وتتطلع إلى تطوير نفسها ومنتخبات بلادها!
خبير إعلامي