قال لي بأنه في كل سجود، يدعو الله بحرقة، أن يُسَخِّر له و لمن مثله رجالاً يفتحون ملف المتقاعدين، بجدية وبولاء لهذا الوطن ولأهله. قال لي بأنه كان يستلم حينما كان على رأس العمل 11.000 ريال، وهو الآن، وبعد 25 سنة خدمة، وبعد أن أُحيل إجبارياً على التقاعد أصبح يستلم 4.000 ريال. قال لي، بأنه يعيش هو وبناته السبع وزوجته في بيت مستأجر، وأن هذا الراتب بالكاد يحقق جزءًا يسيراً من متطلبات الأسرة الكبيرة التي يعولها.
هذه الحالة، على الرغم من بؤسها، تكاد تكون نموذجاً غير محزن. هناك حالات يكاد المتقاعد فيها أن يُرمى في الشارع، بعد أن رمتْ الوظيفةُ تاريخَه وخدمتَه وكرامتَه، ولا أظن أن القائمين على نظام التقاعد الحالي يجهلون هذه المعاناة، لا أظنهم لا يدركون كم من المآسي يعيشها المتقاعدون والمتقاعدات. هم يعون أن كل السنوات التي قضاها الموظف المدني أو العسكري ستنتهي في النهاية إلى لا شيء، إلى نواح يومي، نواح اقتصادي واجتماعي، وحين تسألهم عن أسباب جحود النظام وعدم وفائه، يجيبون بأنه نظام، والنظام لا قلب له ولا ضمير ولا إحساس.
إننا، أمام الوضع السلبي لنظام التقاعد، وأمام المآسي الاجتماعية التي يتسبب بها دون أن يتدخل أحد لوضع حد لها، سنطالب كل المنابر الإعلامية الورقية والإلكترونية والمرئية، أن تفتح ملف التقاعد والمتقاعدين، وأن تستضيف أصحاب الشأن من المسؤولين، جنباً إلى جنب مع الضحايا، وذلك لكي يلمسوا تفاصيل الحالة المتدهورة لهم. وإن نحن لم نتكاتف إعلامياً أمام هذا الطوفان النظامي، فإن ضحاياه ستزيد يوماً بعد يوم، باسم وتحت مظلة النظام.