Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/07/2010 G Issue 13795
الثلاثاء 24 رجب 1431   العدد  13795
 
شيء من
الإمام القرافي وصناعة المُجسّمات
محمد عبد اللطيف آل الشيخ

 

يقول الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي في كتابه: (نفائس الأصول في شرح المحصول) ما نصه: (وكذلك بلغني أن الملك الكامل وُضِع له شَمْعدان كلما مضى من الليل ساعة انفتح باب منه وخرج منه شخص يقف في خدمة السلطان، فإذا انقضتْ عشر ساعات طَلَع شخص على أعلى الشمعدان وقال: صبَّح الله السلطان بالسعادة فيعلم أن الفجر قد طلع.. وعَمِلْتُ أنا هذا الشمعدان وزِدت فيه أن الشمعة يتغير لونها في كل ساعة وفيه أسد تتغير عيناه من السواد الشديد إلى البياض الشديد ثم إلى الحُمْرة الشديدة في كلِّ ساعةٍ لهما لون فيُعْرف التنبيه في كل ساعةٍ، وتسقط حصاتان من طائرين ويدخل شخص ويخرج شخص غيره ويُغْلق بابٌ ويُفتح باب وإذا طلع الفجر طلع شخص على أعلى الشمعدان وأصبعه في أذنه يشير إلى الأذان غير أني عجزْتُ عن صنعة الكلام.. وصنعْتُ صورة حيوانٍ يمشي ويلتفت يميناً وشمالاً ويُصفِّر ولا يتكلم).

مثل هذا النص التاريخي أثار لديَّ كثيراً من علامات الاستفهام؛ فهل يُعقل أن العرب المسلمين وصلوا في فترة من الفترات إلى صناعة ما يسمى اليوم (روبوت)؟.. وهل مثل هذه التقنية التي اكتشفها الإمام القرافي -رحمه الله- لم يأت بعده من يطورها، ويستفيد منها كتقنية، وتستفيد منها الأجيال التي أتت بعده؟.. ثم ما رأي بعض من يرون حرمة المجسمات بشكل قطعي، بغض النظر عن الغاية التي صنعت من أجلها، في هذا (النص) الواضح الذي لم يروَ عن هذا العالم الأصولي الشهير فحسب، وإنما جاء على لسانه، ودونها في كتاب من كتبه؛ ألا يعني ذلك أن تحريم صناعة التماثيل واقتنائها في الإسلام، إذا كانت النية من صناعتها أو اقتنائها لا تمس العقيدة، ليس موقفاً يتفقُ عليه جميع فقهاء المسلمين؟.

يقول الدكتور محمد عمارة عن موقف المسلمين من التماثيل: (سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا النهج الذي لا يُعمِّم؛ ففي الوقت الذي أزالوا فيه التماثيل المعبودة وحطموها، تركوا التماثيل في البلاد التي فتحوها عندما لم تكن معبودة من دون الله.. صنع ذلك في مصر فاتحها عمرو بن العاص، ومعه كوكبة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء الصحابة الذين فتحوا مصر والذين سبق وحطموا التماثيل المعبودة في شبه الجزيرة العربية هم الذين تركوا التماثيل في مصر؛ لأنها لم تكن معبودة، ولم يكن نصارى مصر يعبدونها، ولم تكن خطرًا على عقيدة الجيش المسلم الفاتح لمصر).

من الواضح أن هذه القضية تحتاج إلى من يُحققها، ويُمحصها، ويقرأ تاريخ الصناعات في العصر الذي عاش فيه الإمام القرافي؛ فإذا ثبتت فمعنى ذلك أن المسلمين، وليس الغربيين أو الشرقيين، هم من سبقوا العالم في صناعة الروبوت، أو ما يُسمى اليوم بالإنسان الآلي.

والإمام القرافي (توفي سنة 684هـ) من أهم علماء الأصول، إذا لم يكن أهمهم على الإطلاق من حيث القيمة التاريخية والتأسيسية لهذا التخصص الشرعي الدقيق؛ وكان من أشهر طلبة العز بن عبدالسلام العالم المشهور رغم أنه مالكي المذهب؛ وقد عُرف واشتهر بكتابه (الفروق) الذي يعتبر أحد المصادر الرئيسة في علم أصول الفقه.

وختاماً أقول: بودي لو أن أحد طلبة العلم تتبع هذه المسألة، وبحثها، وقرأ فيها، وخلص إلى نتيجة علمية شافية كافية؛ دون أن يكون له موقف مسبق من هذه القضية؛ بدلاً من الخوض في المسائل التي مللنا من الخوض فيها، حتى أصبحت كثيراً من أبحاث طلبة العلم في بلادنا -للأسف- مُكررة ومتشابهة كتشابه الأوراق في الغاباتِ كما يقولون.

إلى اللقاء،،،



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد