إنه من المؤسف والمحير حقاً أن يوجه أي مسؤول كبير في الدولة أمراً إلى إحدى الجهات التابعة لوزارته أو إدارته ولا يبالي الموظف الصغير في تلك الوزارة أو الإدارة بهذا التوجيه أو يركنه إلى ملف النسيان أو يرهق المواطن الذي يخصه هذا التوجيه بكثرة المراجعات والمماطلات إلى أن يمل هذا المواطن كلياً من المراجعة وبالتالي يموت القرار والتوجيه، أو أن ذلك الموظف الصغير يجد (تخريجة) إدارية ليست صحيحة من أجل إجهاض أو تعطيل الأمر بسبب ما يتمتع به هذا الموظف الصغير من كسل أو محاولة إذلال للمراجع أو الضغط النفسي عليه بسد الطريق أمام معاملته لكي يجبره أن يسلك طرقاً غير مشروعة كالواسطة أو الرشوة أو لأي مأرب (صغير) في نفس ذلك الموظف الصغير(؟!).
وبالطبع هنا لا يعرف المسؤول الكبير ماذا حدث لتوجيهه وأن الموظف الصغير يعتقد أن المواطن صاحب المعاملة ليس بمقدوره العودة ثانية لصاحب التوجيه وإذا ما استطاع ذلك الموظف أن يعود للمسؤول ويخبره بالأمر فإن المسؤول غالباً ما يكتب (للإفادة) وهذه الإفادة ستتخذ طريقاً إدارياً طويلاً يرهق المواطن من جديد إلى أن يصل ثانية إلى الموظف الصغير ليجيب المسؤول الكبير (بتخريجة) ملتبسة باسم النظام أو القانون لكي يرفع عن نفسه مسؤولية المماطلة وعدم التفيذ وهكذا يظل ذلك المواطن المسكين يدور في حلقة مفرغة بين المسؤول الكبير والموظف الصغير وإلى أن (يدوخ) كلياً من كثرة الدوران وبالتالي يتخلى كلياً عن مطلبه ولو كان كل الحق له وبجانبه أيضاً.
ومن هنا فإننا نقول وبكل صراحة وعدم ومواربة إن أغلب المسؤولين الكبار في بلادنا وعلى رأسهم أصحاب القرار كلهم يتسابقون لفعل الخير وقضاء مصالح الناس بكل شهامة ونبل وإنسانية لا تتوفر لدى نظرائهم في أي مكان آخر ولكن الداء الذي يسيء لمواقفهم هو ذاك الموظف الصغير الذي لا يعرف الشهامة والنبل لأنه يعيش على مصالح تعطيل المصالح من أجل مصلحته الشخصية ليس إلا، وهذا المرض لا علاج له سوى أن يتخذ كل مسؤول نبيل في وزارته أو إدارته أو دائرته مكتباً صغيراً يتبع إلى مدير مكتبه مهمته ملاحقة توجيهاته (المتعطلة) والاستماع عبر خط ساخن لشكاوى المواطنين الذين يتعرضون للتعطيل من قبل ذلك (الموظف العاطل الباطل الذي يترك الحق ويتبع الباطل) لأنه يعطل عجلة التقدم باعتباره (مسماراً صدئاً) في هذه العجلة الجديدة المسرعة للأمام وليس له علاج إلا الاقتلاع!!