Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/07/2010 G Issue 13795
الثلاثاء 24 رجب 1431   العدد  13795
 
الحبر الأخضر
هل أنا مواطن من الدرجة الثالثة؟ 2 - 3
د. عثمان بن صالح العامر

 

لم يكن التصنيف في مقال عبد الله السمطي «إيلاف الإلكترونية» مبني على أساس قبلي أو طائفي أو عرقي أو جنسي أو... بل ارتكز على المناطقية «المركز» و»الأطراف»، «المدينة» و»الأرياف»، والمنطلق الذي اتخذه الكاتب واعتمد عليه هو «التعليم»، فالتعليم سواء العام منه أو العالي في المدينة «العواصم الحاضنة للحضارة» يختلف عنه في المناطق الريفية «الجوف، جازان، الباحة ،القصيم، الطائف، وغيرها»، وقد اختتم السمطي مقاله «الجامعات الريفية.. هل هي جامعات من الدرجة الثالثة؟؟!» بهذا النص: (... سوف تحرم الجامعات الريفية الإقليمية طلبتها وأساتذتها من خبرة الحضارة، خاصة وأن هذه الجامعات ينظر إليها بنظرة دونية من جامعات العواصم، كما أن الدول العربية لا تهتم كثيراً بهذه الجامعات اهتمامها بجامعات العواصم، وربما يعلو الهاجس الطبقي وليس المعرفي بين جامعات العواصم والجامعات الريفية، وهو ما يتأكد بالفعل حتى عند التوظيف والعمل في الحياة العامة فخريج جامعة القاهرة أو عين شمس مثلاً، يلقى من الحفاوة ما لا يلقاه خريج جامعة طنطا أو الزقازيق مثلاً، وخريج جامعة الملك سعود بالرياض أو جامعة الملك عبد العزيز بجدة، في مكانة أخرى غير خريج جامعة الجوف أو حائل.. وتستأثر جامعات العواصم بصفوة الأكاديميين، بل وبصفوة الطلبة والطالبات، وعلى ذلك فإن التوسع في إنشاء جامعات ريفية يحدث نوعاً من الفوارق العلمية والمعرفية، وينتج أجيالاً ذات مستويات معرفية ضعيفة، كل في مجاله الأدبي أو العلمي أو البحثي، وتظل المسألة مرتبطة بالجهد الفردي للطالب أو الأكاديمي وبمدى ما يبذله للحاق بمستويات جامعات العواصم، حتى لا يوصم بأنه خريج جامعة ريفية أو خريج جامعة من الدرجة الثالثة). ويؤخذ على هذا النص عدة إشكاليات منهجية هي باختصار:

* التنميط والتعميم والتسطيح للموضوع الذي يطرحه الكاتب، وكأن ما يقوله وبكل بساطة وتلقائية محل اتفاق وموافقة، لا أقول من الكل بل من الأغلبية خاصة أهل الاختصاص وأصحاب الشأن المعنيين بالدراسة والتقويم.

* القياس مع الفارق بين الجامعات السعودية والمصرية فسياسة وزارة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية واحدة والكل على قدم المساواة، بل هناك خصوصية ومزية لما يسمى «بالجامعات الناشئة».

* الإسقاط والتحيز في ضرب الأمثلة واختيار المرجعية فجامعة الملك سعود مثلاً من جامعة الدرجة الأولى لأنها في الرياض «العاصمة الحاضنة للحضارة» ولكن أين هي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أليست في ذات المدينة ولا تبعد عن مقر جامعة الملك سعود سوى كيلومترات معدودة، أو أنها ليست ضمن منظومة الجامعات السعودية في حس الكاتب؟، ثم لماذا لم تُذكر جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أو هي لا تقع في مدينة حاضنة للحضارة، وإذ سلمنا أنها من الدرجة الأولى لأنها في المنطقة الشرقية ذات البعد الحضاري المعروف وليست في الريف المسكين فهل ينطبق ذات الحكم على جامعة الدمام؟

انطباع اللحظة الأولى والتوقع المحقق لذاته في موضوع حقه التمعن والتقصي والروية.

كما أن في هذا المقطع جملة من المغالطات والمآخذ، ولعل من أبرزها بإيجاز:

إيهام القارئ الكريم بأن خبرة الحضارة لا وجود لها في الأقاليم، بل هي حكر على العواصم الكبرى دون معيارية واضحة ومرجعية بينية سوى ما نقلته لنا أفلام السينما المصرية.

الجزم بأن نظرة جامعات العواصم للجامعات الإقليمية الريفية نظرة دونية.

عدم اهتمام الدول العربية ومن بينها طبعاً المملكة العربية السعودية بهذه الجامعات اهتمامها بجامعات العواصم.

المفاضلة بين خريجي جامعات العواصم والجامعات الريفية حين التوظيف سواء من قبل وزارة الخدمة المدنية في الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص.

استئثار جامعات العواصم بصفوة الأكاديميين بل بصفوة الطلبة والطالبات، فأعضاء هيئة التدريس في جامعات الأرياف (ليس لهم إسهام علمي أو بحثي كبير، ولا يشاركون في الحياة المعرفية العامة، وهم بعيدون عن حياة المدينة الصاخبة، وبالتالي هم بعيدون عن متابعة القضايا العامة، فضلاً عن القضايا التي تخص مجالاتهم العلمية، والأمر الأخطر هنا أن ثقافتهم وتحصيلهم يظل طيباً وبريئاً لم تدنسه جرثومة التجربة، ولم تحككه المواقف أو الخبرة، وبالتالي سوف ينتجون لنا أجيالاً تقليدية، مطواعة، تؤمن بالمسلمات، وتنعكس تحت ظلال التقاليد..)!!

الجزم بأن الجامعات الريفية ستنتج أجيالاً ذات مستويات معرفية ضعيفة، تقليدية ساذجة، والتباكي على مستقبل هؤلاء الطلاب الذين سيكونون عبئاً على الوطن.

وأخيراً القول بأن الانتماء للجامعات الريفية وصمة عار في جبين منسوبيها الأكاديميين وخريجيها الريفيين ولذا يبذل الأكاديميون والطلاب جهداً فردياً حتى تزول هذه العقدة ويستطيعون مقارعة أترابهم في جامعات العواصم، وبما أنني أحد هؤلاء الموصومين بهذه الصفة فأستبيح القارئ الكريم عذراً في الحديث عن نفسي وجامعتي «جامعة حائل» التي أفتخر بانتمائي لها وأتشرف في وجودي ضمن منظومة أعضاء هيئة التدريس فيها في يوم الخميس القادم بإذن الله كمثال حي للجامعات الريفية الإقليمية في المملكة العربية السعودية، وإلى لقاء والسلام.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد