سوف أراهن المبشرين بعصر الإخاء العربي التركي على فشل مشروعهم، وأتهمهم بالهروب من المواجهة بمشروع عربي صرف إلى الطوباوية والتمني، وبأنهم سوف يلحسون غداً ما يبشرون به اليوم.
علاقة العرب بالروم والعجم والترك لم تكن يوماً ما ولو لدقيقة واحدة علاقة إخاء في الله ولا في مشروع ديني حضاري مشترك ومتفق عليه، بل علاقة صراع مصالح وأعراق على منطقة جغرافية هي من الحضارات البشرية بموقع الحبل السري والمركز، وسوف تستمر هكذا حتى يرث الله الأرض ومن عليها. لم ولن يوجد إخاء عربي فارسي أو عربي تركي أو عربي رومي، لكن الذي كان موجوداً دائماً وسوف يستمر هو تقطاعات مصالح تتقارب وتتباعد، تتصالح وتتحارب حسب ظروف الضعف والقوة والحاجة والاستغناء. من قبل لم يمنع التدين المتجانس جيوش علي ومعاوية رضي الله عنهما من الاقتتال والتفاني، تماماً مثلما لم يمنع تسنن آل عثمان جيوشهم من احتلال الحواضر العربية ونقل أعلامها في البناء والصنائع والعلوم الشرعية وفنون الخط والرسم إلى الأستانة مما ترتب عليه هبوط الظلام الكثيف والقحط الحضاري على الرقعة العربية بأسرها. عندما جاءت جيوش الروم غازية في القرن الثامن عشر وما بعده وجدت البلاد العربية المستعمرة عثمانياً قد عادت إلى عصور الجمال ومجتمعات العشائر والبدو الرحل.
بالأمس القريب لبس دهاقنة الفرس عمائم الإسلام السود والبيض وتسللوا ويا للغرابة مع جيوش الروم ولكن تحت راية الإسلام إلى العراق ودخلوا من باب القضية الفلسطينية إلى كل الجغرافيا العربية وسوف يلتفون متى ما استطاعوا من الشرق والشمال والغرب إلى منطقة الجزيرة العربية، حيث المقدسات والنفط وصراعات الحكام والعشائر التي لا تنتهي، وبهذا يكتمل بعث المجد الساساني القديم. إن ما فعلوه بالعراق وأهله يوضح لمن لا يمارس الخداع مع نفسه أنهم مجرد فرس بعمائم بيض وسود يبحثون عن مجد أمتهم الفارسية.
هذا ما بدأ يتبلور بالأمس القريب، واليوم تحاول تركيا بدورها الدخول إلى الجغرافيا العربية، ومرة أخرى عبر بوابة فلسطين بينما العين مصوبة نحو الموصل ونفط كركوك قبل أن يقع البرميل كله في يد منافسيهم التاريخيين أحفاد عباس الصفوي. نعم.. الفرس مسلمون شيعة بينما الترك مسلمون سنة، ولكن ذلك لا معنى له البتة وبالمطلق حسب المفاهيم الاقتصادية والوطنية ومصالح الدول والشعوب. لقد لعبت وتلاعبت الحكومات والحركات السياسية العربية ومنها الفصائل الفلسطينية بالقضية الفلسطينية لأهدافها الخاصة قصيرة المدى والنظر حتى تهدم المدخل إلى القضية وصار مفتوحاً لكل عرق وملة وأصبح هو المعبر الأسهل والأقصر إلى استغفال الوجدان العربي والتدخل في السياسة والجغرافيا والمشاركة في شطرنج السلب والنهب.
بقيت الروم إذن..، ماذا تبقى ويمكن للعربي أن يقوله عن الروم؟ إن هؤلاء حقيقة هم أصل المعاناة والسقوط ومعهم يفترض أن يكون التدقيق في حسابات متراكمة تبدأ بالاستعمار والتفتيت والنهب وتنتهي بزرع المشروع الصهيوني واستباحة العراق أرضاً وعرضاً وشطبه من قائمة الدول والتجمعات البشرية المحكومة والمتماسكة.
إنها محكومة باللعنة الدنيوية كل أمة تسطف وراء راية أجنبية غير رايتها الوطنية الأصلية طمعاً في استعادة شرفها وما سلب منها بالقوة ودق الأنوف.