تبعية إعلام الضعيف لإعلام القوي أمر مشاهد. وأمتنا؛ عرباً ومسلمين أمة ضعيفة في حين أن من لا يكنون ودا؛ بل يضمرون ويبدون عداوة، لهذه الأمة أقوياء.
لذلك لم يكن غريباً أن يبرهن إعلامنا بمختلف الوسائل على اتصافه بتلك التبعية. ومن الواضح أن هذه البرهنة منها ما هو نتيجة انخداع وانزلاق دون تأمل وتفكير، ومنها ما نتيجة عشق لكل ما هو آت من جهات لها الهيمنة في مجريات الأحداث الدولية.
وكنت قد كتبت مقالة نشرت في صحيفة الجزيرة، عام 1423هـ، بعنوان (الانزلاق الإعلامي). ومما ورد في تلك المقالة: تبرز في ثنايا إعلامنا المتخلف، محتوى ومنهجاً وأسلوباً، مظاهر تقليدنا لإعلام الغرب القوي المتقدم في هذه الجوانب دون تحفظ أو روية. ومن ذلك أننا تبنينا ما روجه إعلام الغرب من تسمية منطقتنا «الشرق الأوسط»؛ وهي التسمية التي كان أساسها الاستعمار البريطاني، حتى رأينا لنا وكالة أنباء وقناة تلفازية وصحيفة يومية بهذا الاسم، بل إن قضية أمتنا الأولى.. قضية فلسطين.. لم تعد تسمى في إعلامنا إلا بالتسمية التي أطلقها الغرب: (مشكلة الشرق الأوسط).
ومن الواضح أن عدم تسمية قضية فلسطين باسمها الحقيقي فيه إبعاد عن صدى كلمة فلسطين في نفوس أفراد أمتنا. ولقد أصبحنا في تقليد أعمى لإعلام أعداء أمتنا نتحدث عن «مشروعات سلام»؛ وهي في حقيقتها مشروعات تسوية يحاول أن تتم بين جانب قوي يفرض شروطه؛ وهو الجانب الصهيوني المؤيد تأييداً غير محدود من قبل المتصهينين، وجانب ضعيف تدل الدلائل على أنه؛ قادة وشعوباً إلى درجة كبيرة، فقد ثقته، أو يكاد يفقدها بنفسه حتى بات يقبل تلك الشروط أو معظمها؛ تائهاً وراء سراب مفاوضات عبثية.
بل إن أجهزة إعلامنا التابع المتخلف أصبحت تذيع أخبار الجرائم الصهيونية تماماً كما يفعل إعلام أعداء أمتنا وكأنها تذيع أخبار نشرات الطقس دون إيحاء بتأثر لما يحدث ويرتكب من جرائم.
وفي عام 1424هـ كتبت مقالة نشرت في صحيفة الجزيرة، أيضاً، بعنوان (الانزلاق الإعلامي مرة أخرى). وإضافة إلى الإشارة إلى ما سبق أن ذكرته في المقالة السابقة تحدثت باختصار عن بعض أجهزة إعلام أمتنا في تناولها لقضية العراق بالذات قبل احتلال ذلك القطر العربي الإسلامي وبعد احتلاله. وكان من هذه الأجهزة ما راحت تردد - بغباء أو بدوافع ذاتية مريضة - ما كان يروجه الإعلام الصهيوني والمتصهين من أن هدف الهجوم على العراق هو القضاء على أسلحة الدمار الشامل. ولم يخطر ببال أرباب تلك الأجهزة المنزلقة وراء إعلام أعداء أمتنا أن فرق التفتيش الدولية لم تعثر على أسلحة دمار شامل رغم عملها المتواصل. ولما غيرت أجهزة هؤلاء الأعداء عباراتها - نتيجة الفشل في العثور على هذه الأسلحة التي زعم وجودها - إلى عبارات أخرى؛ مثل القضاء على الظلم والدكتاتورية، لم تستطع أجهزة إعلام أمتنا المنزلقة وراء إعلام أعدائنا لغبائها أو كونها مريضة موتورة، إلا أن تتبع إعلام الأعداء. ومن ذلك أنها باتت تسمي (قوات الاحتلال)، كما هو واقعها، (قوات التحالف). ومن المعلوم أن تسميتها بالاسم الأخير المخالف للواقع إنما يراد به إبعاد كلمة (الاحتلال) عن آذان المستمعين لما تعنيه من حدوث عدوان نتج عنه اغتصاب سيادة وطنية. وقد اختتمت تلك المقالة بالقول: هل يستطيع إعلامنا أن يتحرر من ربقة استعمار إعلام أعداء أمتنا؟ وقلت: إنه لا يبدو في الأفق بوادر للتحرر، والسبب هو: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). كان ما سبق ذا صلة بجرحين غائرين من جراحات أمتنا: فلسطين والعراق. فماذا عن جرح هذه الأمة المنكوبة في أفغانستان؟ عندما كان هناك طرف غربي من أعداء أمتنا يحاول أن يثأر من عدو له بمحاربة قواته التي توغلت في أفغانستان مناصرة لحكومة شيوعية فيها سمي أعداء أمتنا من الغربيين من قاوموا قوات السوفييت المتوغلة في بلادهم - كما تسموا - «المجاهدين». وراح إعلامنا التابع يسميهم «المجاهدين». وفي هذا مصداقية وإن لم تكن مراعاة من قبل الغربيين حتماً. وانهار الاتحاد السوفيتي، الذي كان قائد معسكر مضاد للغرب والرأسمالي. وفتش من الغربيين من فتش عن عدو بديل؛ إذ إن قادته في نظرهم أنه لا بد من خلق عدو لهم إن لم يكن هناك ما هو موجود فعلاً. فكان المسلمون؛ وبخاصة بعد تنامي التوجه الديني في أقطار إسلامية متعددة، هم العدد المختلق. وتغيرت الأمور على أرض أفغانستان، فأصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم، وتزعمت أكبر قوة غربية قوات احتلت أفغانستان. وليس الحديث، هنا، عما ارتكبته من جرائم في أثناء عملية الاحتلال وبعده حتى الآن.
لكن الحديث مقتصر على تعبير إعلام أمتنا عما حدث ويحدث هناك. قوات الاحتلال - كما هو الاسم الحقيقي لها - أصبحت تسمى تسميات لا تعبر عن الحقيقة؛ مثل (قوات التحالف) ونحو ذلك. وأصبح من يقامون وجود هذه القوات المحتلة يسمون تسميات لا تعبر عن الحقيقة تماماً.
ومن بين ما هو متداول في وسائل الإعلام الغربي المعادي لأمتنا ووسائل إعلامنا التابعة له تعبير «المجتمع الدولي» وكل ذي فكر وعقل يدرك تمام الإدراك أن هذا التعبير أبعد ما يكون عن الحقيقة والواقع.
بل الحقيقة والواقع أنه يعبر عن إدارة زعامات محدودة عدداً في العالم، لكنها هي المتحكمة في مجريات أحداث هذا العالم وفق إرادتها. هل هناك مجتمع دولي يهتم به أو برأيه وموقفه إذا أرادت تلك الزعامات المحدودة عدداً المتحكمة واقعاً ملموساً في مجريات الأحداث أمراً من الأمور؟