كلما زرت الكويت عابراً - وهكذا كنت دوماً حتى إبان إقامتي الطويلة فيها- لأنني كنت أشعر دوماً إنني مجرد (بدوي رحال) في هذه الحياة وهذه المدائن أيضا، أي إنني أحمل ترحالي في الذات وأحمل كل ما أحب في هذا الترحال، المدن، الناس، المبادئ، الأفكار، الجمال، الأصدقاء، النساء، الشعر، الاغتراب وهذه الحالة برأيي هي غربة الشاعر في محيطه الآدمي أو الحياتي بشكل مجمل لذلك أردد دوماً بيتاً من الشعر قاله شاعر شعبي فذ لا أتذكر اسمه يقول فيه:
|
خلوني أكرم في حياتي وأنا حي |
وإن مت مدري جثتي من دفنها |
قد جيت للدنيا وأنا ما معي شي |
وأروح منها وما معي شي منها |
أي أنني في تجوالي بالمدن التي أحب تأبطها بالقلب وأتجول في حواريها متخذاً طريقة (رامبو) ذاك العابر للحياة بنعلين من ريح، ثم إنني وبكل فخر سليل الشعراء الصعاليك الفرسان الذين قال أحدهم - لعله - السليك بن السلكة:
|
ويسبق وفد الريح من حيث ينتحي |
بمنخرق من شدة المتدارك |
أقول إنني كلما زرت الكويت وهي إحدى حبيباتي من المدن -لا مشاحه في ذلك- حملتها رأساً في الجوانح وأخذت استقرئ خطواتي القديمة في حواريها القديمة وشوارعها الباذخة، ثم انتشي قليلاً -بحبها- وأعوذ مشوقاً إلى حبيبتي الأولى والأزلية الرياض باعتبارها واحة صحراء العمر التي أحبها مثل أمي لأنها هي التي منحتني دفء الأمومة الحقة بعد معاناة ذريعة من يُتم المدائن، أقول إنني هذه المرة حينما جئت الكويت عابراً وجدت ويا للأسى إن وجهها الوضاء قد اعترته بعض الثآليل التي شوهت جمالها الأخاذ وأعني بذلك التفرقة، الفئوية، الطائفية، القبلية، التشكيك، الطعن في الولاء الوطني، اللمز والغمز على الملأ بأصول الناس، مهاترات يندى لها الجبين في مجلس الأمة الذي يعتبر أحد مميزات الكويت الحضارية ويا للأسف الشديد، اندلاع إعلام لا يعرف غير الشتيمة والطعن واللعن بالرموز السياسية والاجتماعية على حد سواء وبلا هوادة فيا للعار. يا للعار ما هكذا تستحق الكويت فيكم يا أهلها المخلصون فخلصوها من هذه الفتنة البغيضة التي ستأكلكم نارها -لا سمح الله- قبل أن تأكل هذا الوطن الجميل ويا أيها العقلاء وأصحاب الرؤية والرأي أطفئوا هذا الشرر المقيت وفكروا في البناء والعطاء من جديد فالكويت التي أعطتكم الكثير الكثير لا تطلب منكم إلا أن تعطوها بعض رد الجميل. وتسلمون وتسلم الكويت.
|
|