لماذا يهرول الكثيرون لحضور دورات التدريب التي تعقد خارج المملكة على الرغم من أن المدرب أو المحاضر عربي والمادة العلمية عربية ولغة التدريب عربية والحضور عرب طالما أن الدورات التدريبية التي يهرولون إليها.....
.....لا تنعقد غالباً في مراكز تدريبية متخصصة أو لا يوجد مثيل لها داخلياً، بل أن الدورة تُعقد في الغالب في إحدى قاعات فنادق النجوم الخمس في دولة جاذبة سياحياً.
معلوم أن التدريب يعد مصدراً هاماً لرفع كفاءات الكوادر البشرية في جميع القطاعات وبمختلف المهن سواء العاملين في تلك المهن أو المستهدفين للعمل بها، والنجاح لا يتحقق دون نشاط أو أداء عملي صحيح، لذلك كان التدريب غاية في الأهمية لأنه يقف واقعياً خلف صحة ذلك الأداء. وكما هي الوظائف متعددة ومتنوعة ومتباينة من حيث الأداء والمهارات والكفاءات والمؤهلات المطلوبة فإن التدريب هو الآخر متعدد الأنواع والأشكال، إلا أن تشابه المضمون والهدف من التدريب يُعتبر قاسم مشترك في جميع تلك الأنواع والأشكال، فهو باختصار الجهد المنظم الذي يقدم من أجل تزويد الأشخاص بالمعارف والعلوم والخبرات لتحسين وتطوير مهاراتهم وإحداث تغيرات إيجابية لديهم في السلوك والاتجاهات من أجل تحسين أداء المنظومة التي يعملون بها وزيادة إنتاجيتها.
وللتدريب أسس وأنواع ومتطلبات كثيرة ومتعددة إلا أن مكان انعقاد التدريب إذا لم يرتبط بجهة تخصصية معينة لا يمكن اعتباره من تلك الأسس. فالتدريب الذي يتطلب أن يبقى الموظف في مكان عمله ويقوم المدرب بمراقبة أدائه وتدريبه على أساليب حديثة في العمل لتطوير قدراته أو تدريبه على كيفية أداء ما يُطلب منه إذا كان حديث العهد بالوظيفة يُعتبر تدريباً داخلياً أو ما يُسمى بالتدريب على رأس العمل، والتدريب الذي يتطلب قيام مجموعة موظفين بالانتقال لجهة تدريبية متخصصة يوجد بها أدوات ومعدات مطلوبة لإتمام العملية التدريبية ولا توجد في بيئة العمل الخاصة بأولئك الموظفين يعتبر تدريباً خارجياً مرتبطاً بمكان التدريب وهي الجهة التدريبية المتخصصة كما أسلفت، أو قيام مجموعة من الأفراد المراد إلحاقهم بعمل ما بإرسالهم لجهة تدريبية متخصصة لتزويدهم بالمعارف المطلوبة والمهارات التدريبية اللازمة لإلحاقهم بالعمل بغية تعليمهم كيفية القيام به من أجل الوصول لمرحلة متقدمة من النشاط العملي الذي يكفل إنتاجاً صحيحاً دون أخطاء، وهو الهدف السامي للتدريب بجميع أنواعه المذكورة سابقاً حتى لو اختلفت طريقته أو أسسه أو متطلباته.
العملية التدريبية بنظامها الأساس تهتم أكثر ما تهتم بالنتيجة المراد الوصول لها بعد انتهاء العملية وهي بذلك تسعى أو يسعى القائمون عليها لبنائها بطريقة تضمن الوصول لما سبق مع الأخذ بالاعتبار الأساليب التي تنسجم مع طبيعة التدريب وطبيعة ونسق الشريحة المستهدفة منه، وبناء المادة العلمية وتحضير البيئة المناسبة التي تضمن وصول المعلومة بشكل سلس ودقيق وتحقيق الفائدة من إقامة الدورة وأخيراً الاهتمام بالمدرب الذي سيعمل على إيصال تلك المعلومة والتعاطي مع الشريحة المستهدفة بالتدريب.
يتضح مما سبق أن مكان إقامة الدورة لا يُعتبر من أسس التدريب ولا من أولوياته إذا انتفى سبب إقامة الدورة في جهة تدريبية متخصصة لا ينفع التدريب بدون إقامتها فيها، أما أن يُعقد التدريب في دولة سياحية فلا هدف له سوى تسويق الدورات التدريبية التي تطرحها الجهة التدريبية بهدف تجاري بحت، وما قيام الأفراد بالالتحاق بتلك الدورات إلا للحصول على فرصة للتنزه وتغيير الجو - كما يُقال - ليس إلا. ثم أن نوع تلك الدورات واختيارها من قبل المشارك لا يأتي ضمن أولوياته إطلاقاً بل مكان انعقاد الدورة أو إقامتها هو ما يجذبه لها وليس موضوعها أو محتواها أو مناسبتها له، فتحديد الاحتياجات التدريبية لا يكون من خلال انتقاء الموظف بنفسه للدورة التي يعتقد هو أنها مفيدة له بل يجب أن يتم عبر طرق ووسائل علمية تأخذ بالحسبان مراجعة أداء الموظف خلال فترة زمنية محددة والإطلاع على التقويم السنوي أو نصف السنوي الذي يُعقد له لمعرفة أماكن القصور في الأداء من أجل العمل على تحسينها وتطويرها عبر اختيار الدورات التدريبية الأنسب له.
أتفهم تماماً أن يقوم فرد ما بإلحاق نفسه بدورة منعقدة في ضواحي إحدى العواصم الأوربية أو حتى في شرق أسيا أو دولة مجاورة عن تطوير الأداء في وظيفته بالجهة التي يعمل بها برغم من أن محتوى الدورة باللغة العربية والمدرب عربي ولغة التدريب عربية، أتفهم أن يقوم بذلك على حسابه الخاص وفي إجازته دون أن يكلف الجهة التي يعمل بها، لكن ما لا أتفهمه هو قيام جهة ما بإلحاق موظفيها بتلك الدورة وعلى حسابها وتهدر المال والوقت على دورة تكون الفائدة العلمية منها معدومة تماماً في ظل غياب الانضباط في الحضور والتحضير والإعداد والمشاركة الذي عادةً ما يُلاحظ عند إقامة مثل تلك الدورات خارج المملكة. إلى لقاء قادم إن كتب الله.