مبادرة أولى وجريئة، لسعادة سفير خادم الحرمين الشريفين في فرنسا الدكتور محمد بن إسماعيل آل الشيخ على تحمل الأبعاد الثقافية في عمل السفارات والتي غالباً ما تتجنب السفارات السعودية الخوض فيه، فقد تشرفت ومجموعة من المثقفات والمثقفين السعوديين بتلبية دعوة سعادة السفير لزيارة باريس الأسبوع الفائت، للتعرف على أعماق الثقافة الفرنسية وزيارة عدد من المعالم الهامة، من بينها نادي الصحافة، ومعهد العالم العربي، الذي يعد -بحق- مفخرة لكل عربي، إذ يبلغ زوار المعهد 100 ألف زائر سنوياً، وتمتلك مكتبة المعهد عددا هائلا من الدراسات والبحوث والكتب سواء باللغة العربية أو بلغات أخرى، كما أن لمليكنا المحبوب بصمة في هذا الصرح الثقافي العظيم، إذ أبلغنا أحد مسئولي المعهد عند استقبالنا أن رجل الثقافة والمثقفين قد دعم هذا المعهد بمبلغ مليار يورو، وهذا ما يعطينا الشعور بالفخر كسعوديين حينما نعبر هذه المواقع الهامة ونرى بصمات مليكنا تمد رقابنا شامخة عالية في كل مكان.
من الأحاسيس الجميلة والإنسانية في هذه الرحلة أن تخللت الفعاليات احتفالية بالكاتب الروائي عبده خال الحائز على جائزة البوكر العربية، وهذا التكريم أراه مبادرة عالية المستوى لرجل أعطى الثقافة السعودية بعدا عالمياً وعمقاً إنسانياً وحضارياً بين شخصيات رواياته التي خطها على مدى سنوات طويلة. وكلنا يعلم أن العالم العربي لا يقدر مثقفيه وكتابه، وبعض منهم لا يتم تقديرهم إلا بعد أن يغادرونا إلى حياة أخرى. وحينما جاء هذا التكريم في هذا الوقت تحديداً، فإنه إشارة بالغة الأهمية عن وجود من هو مؤمن بأهمية الثقافة والمثقفين، ومؤمن بتكريمهم وهم على قيد الحياة، كيف لا؟ وهم كرموا أوطانهم برفع ثقافته إلى كل العالم. وكلمة -حق- لو لم يكن سفيرنا السياسي، الدبلوماسي، المثقف، قد شعر بحجم وأهمية مثقفات ومثقفي موطنه لما رأينا هذا. أيضا لا يفوتني وأنا أتحدث عن هذه الرحلة، السيدة السعودية الأولى في فرنسا، حرم سعادة السفير، الدكتورة فاديا بيطار، فهي سيدة استثنائية، درست الطب وتخصصت في البحث في مرض (الزهايمر) تشرفت حقاً وأنا أراها تقف وتستقبل الضيوف إلى جانب زوجها، لتعطينا صورة مشرقة ومشرفة عن المرأة السعودية.
إن دعم تواصل المثقفين والإعلاميين السعوديين مع المثقفين والأعلام في العالم واحدة من أهم قضايا التنوير في عالمنا العربي، إذ إن المبادرة في التواصل معهم تعني كسر طوق القطيعة بين الثقافات ووجود جسور تمنح النقاش والحوار فرصة للتفاهم وتفهّم الآخر لنا وتُفهمنا نحن أيضاً للآخر، وهذا ما حققته هذه الزيارة في مجملها، فقد كسرنا - ومجموعة المثقفين والإعلاميين المشاركين- طوق الجمود بينا وبين الفرنسيين واستقبلنا العديد من الأسئلة الاجتماعية والثقافية التي من شأنها أن تذيب جليد التواصل فيما بيننا.
ولا شك بأن السفارة وهي تنظم هذه الفعاليات، وهي تقترب من الاحتفاء بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بزيارة مدينة النور في الشهر القادم وافتتاح القسم السعودي في متحف اللوفر والذي لأول مرة يخصص ركن للمملكة العربية السعودية فيه، وفي وسط الاحتفالية بالملك عبدالله في أجواء العاصمة الفرنسية وعرض قطع أثرية نادرة تعرض لأول مرة في متحف اللوفر متزامنة مع زيارته -حفظه الله-. ولا شك بأن زيارة خادم الحرمين الشريفين، وهذه الرحلة الثقافية التي قمنا بها واحدة من العديد من الخطوات التنويرية التي يمارسها الملك عبدالله -حفظه الله- وولي عهده وسمو النائب الثاني في دفع عجلة التنمية والثقافة في بلادنا. إنها بحق «بصمة» بل «بصمات» سعودية ستظل ثابتة ومحفورة على الأراضي الفرنسية.
www.salmogren.com