ظللتُ للثلاثة العقود التي مضت، أراقبُ المشهد الثقافي بنفس العين التي أراقب فيها المشهد الصحفي، كوني أساهم في المشهد الأول بأعمال أدبية، وبأعمال صحفية في المشهد الثاني. ولكن أحاول جاهداً ألاَّ أتعامل بفوقية الأدب مع الصحافة، ولا بسطوة الصحافة مع الأدب، مستلهماً هذا التعامل من أساتذتنا رواد الخمسينيات والستينيات الذين دخلوا الصحافة من بوابة الأدب، أو دخلوا الأدب من نوافذ الصحافة، مثل أحمد السباعي وأحمد عبدالغفور عطار وعبدالله بن خميس وحمد الجاسر وعبدالكريم الجهيمان ومحمد العلي ومحمد حسن عواد، والقائمة طويلة، لا تسعها مساحتي الصغيرة.
أدباء السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات ظلوا لسنوات طويلة يسخرون من كل منتمٍ للأدب يشغل نفسه في الكتابة الصحفية. ووصلت سخرية بعضهم إلى درجة التجريح والتشهير على صفحات الجرائد، كأن يقولون بأن الأدباء الذين يكتبون أعمدة صحفية اجتماعية هم مفلسون إبداعياً، يستجدون النجومية والتصفيق من القراء! وفي نفس الوقت يمجدِّون ويتأثرون، بل ويقلدون الروائي الكولومبي غابرييل ماركيز الحاصل على جائزة نوبل للأدب عام 1982م، وهو المراسل الصحفي الذي خرج للأدب من عباءة المقالات الصحفية الاجتماعية، وظل مخلصاً لها متمسكاً بها. اليوم، تخلى الكثير من هؤلاء الأدباء عن هذه القناعة، وهاهم يسهمون بِقَضِّهم وقضيضهم في الساحة الصحفية. وهذا الأمر يطرح سؤالاً مهماً: أيهما نجح أكثر في صناعة الحراك الاجتماعي وفي الإسهام به: الأدب أم الصحافة؟!.