Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/06/2010 G Issue 13788
الثلاثاء 17 رجب 1431   العدد  13788
 

الشيخ عبدالله الهريش «رحمه الله» خِلّ وفي
سليمان بن عثمان الفالح

 

لقد منّ الله عليّ بمعرفة الشيخ عبدالله بن عمر الهريش (أبي سامي) منذ ما يزيد عن أربعين عاماً قضيتها مع هذا الرجل الكريم أخوان صادقان لا يشوب علاقتنا أي مكدر خلال هذه السنين الطوال رغم أنه لا تربطني به قرابة لكن الأخوة في الله والمحبة اللامحدودة هي فوق كل شيء بل أساس كل علاقة وكنا طيلة هذه الفترة التي حظيت بها معه سواء داخل البلاد أو خارجها صداقة حميمة وهو رحمه الله دائماً السباق في جميع الأمور في كرمه النفسي وسخائه المادي مع فضله وحسن تعامله الذي يصعب مجاراته فيها لأن الله سبحانه وتعالى أعطاه من الصبر والتحمل والتواضع الجم ونكران الذات ولو كان ذلك على حساب صحته وماله ووقته. والحقيقة أنه عندما أخبرني صديق الجميع الشيخ محمد بن أحمد الفوزان بالخبر المؤلم والفاجع كأنما أصابتني صاعقة شديدة بقيت في دوار وقلت له هل أنت متأكد ولا شك أن الموت حق وهو باب وكل الناس داخله، رحمك الله أبا سامي رحمة الأبرار وجعل منزلك في عليين. إن كل من يعرف هذا الرجل الشهم يظن بل يجزم بأنه صديقه الأوحد وأخوه الوحيد بما يعامله به من دون أن يحسسه بشيء ودون ملل أو سأم. لقد كنا في منزله ذات يوم وقد دعانا على العشاء مع ثلة من أصحابه وما أكثر أصدقاءه وما أكثر مناسباته وكان رحمه الله مصاباً بالحمى التي وصفها المتنبي بقوله:

وزائرتي كأن بها حياء

فليس تزور إلا في الظلام

فرشت لها المتاحف والمرايا

فعافتها وباتت في عظامي

كانت الحمى تنفضه نفضاً شديداً تكاد عظامه تنخلع مع جسمه دون أن يشعرنا بشيء حتى نبهنا بعض خاصته عما يعانيه وهو يجحد ذلك متحلياً بالصبر والتجلد لأجل ضيوفه. بالله عليكم أيها القراء.. هل سمعتم بمثل ذلك إنه والله عبدالله الهريش وأمثاله والناس لا يزالون بخير والحمد لله، ولكن الصبر وإجهاد النفس ونكران الذات أمور لا يتحملها إلا من وفقه الله واحتسب ذلك عند ربه وأنك لترى بعض الناس يجلس في بيته ويختفي عندما يصاب بوعكة خفيفة بل ينقطع عن عمله بمجرد هذا المرض البسيط. أما عبدالله الهريش فآخر ما يفكر فيه معاناته بجانب راحة أصدقائه وهم كثر، إنه ينسى نفسه في سبيل إسعادهم وتحقيق رغباتهم التي يرى أنها رغبته وأنها سهلة عليه. لقد سمعت الشيء الكثير من أصحابه ومعارفه وأقاربه وما يقابلهم به من لطف وبشاشة حتى أن بعض موظفي شركته ذكر لي أنه لم يسبق أن طلبه لمراجعته في مكتبه بل إنه رحمه الله هو الذي يذهب إليه ويجلس معه كأنه مراجع ولم يسبق أنه أصدر أمراً ونهياً وإنما بالتشاور والملاطفة وحدثني ذلك أكثر من موظف لديه وشاهدت ذلك في أكثر من مناسبة وكنا ذات ليلة ضيوفاً عنده في منزله العامر بحائل مع أن المناسبة لغيره وهو ساهر مع الضيوف حتى آخر الليل هو وبعض أبنائه البررة واستيقظ قبل الفجر ليكون مستعداً للضيوف كل ذلك على حساب صحته ووقته رحمه الله ولقد حباني الله بإخوة أعزاء وخلان أوفياء لا أستطيع مجاراتهم في كرمهم وسخائهم ووفائهم بل إن الركض وراءهم يعتبر زحفاً على الركب ولا أقدر على مجازاتهم إلا بالدعاء لهم كما في الحديث الصحيح وأنا حقيقة لست من المتشائمين الذين يسيئون الظن بغيرهم ويضربون المثل بأنفسهم ويجعلون الخل الوفي ثالث المستحيلات وأن الناس كإبل مائة قد لا تجد فيها راحلة بل إن الإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه وهذا النوع من التشاؤم مذموم ولا يجلب إلا الذلة وكراهية الغير وحب الأنا والذات وعلى المرء أن يحسن الاختيار فيتخذ الجليس الصالح ويبتعد عن الجليس السوء ويعامل الجميع المعاملة الحسنة لأن الدين المعاملة وهذه أخلاق الأوفياء أمثال هذا الرجل الفذ عبدالله الهريش (رحمه الله) والناس في هذه الدنيا يتفاوتون بما وهبهم الله وميزهم على بعض قال الشاعر:

والناس ألف منهم كواحد

وواحد كالألف إن أمر عنا

وإن فقدان الأحبة الأوفياء أمر كبير لا يحتمله إلا الصابرون المحتسبون لاسيما وأن هذا الرجل الذي غاب عن هذه الدنيا ممن ينطبق عليهم قول الشاعر:

لعمرك ما الرزية فقد مالٍ

ولا فرس يموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد خير

بموت يموته خلق كثير

كان رحمه الله معروفاً بأفعال الخير ومساعدة الغير وقضاء الحاجات مهما كلفه الأمر ومهما بذل من جهد ومشقة حتى أنه ليفرح كثيراً عندما يقي حاجة أخيه ودون منّ أو أذى وأن شماله لا تعرف ما تنفق يمينه حسبما عرف عنه، وكما حدثني عدد كبير من أصحابه ومعارفه وقد قيل «الخافي أعظم» ودائماً لا يغلق بيته عن محتاج أو طالب مساعدة وخيره كثير وماله يزيد مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم «ما نقص مال امرئ من صدقة بل تزده بل تزده». ومنذ مدة قريبة حدثني من أثق به وهو الأخ محمد الفوزان أنه سبق أن دفع عن أحد معارفه مبلغاً كبيراً حيث دافع عنه أبو سامي عندما نال منه أحد دائنيه وذب عن عرض أخيه وتحمل ما عليه من دين وهذا لا يفعله إلا الأوفياء وهم كثر والحمد لله. إن مآثر الشيخ عبدالله كثيرة ومتعددة فقد جمع بين الكرم الجبلي والسماحة الحاتمية والمروءة المتناهية حتى بيوته في الرياض وحائل والقصيم مفتوحة لمرتاديها من أية صوب حيث إن معارفه كثيرون من خارج البلاد وداخلها ولا شك أنه ينطبق عليه ما قيل عن حاتم الطائي أنك تصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق حتى أن يده تسبق لسانه على أفعال الخير والذكر للإنسان عمر ثانٍ، ولا شك أن ذكره سيبقى إن شاء الله على مدى السنين لما قدمه في حياته وما سيقدمه أبناؤه. وإنك أيها القارئ لتستغرب من كثرة من حضر وقت دفنه رحمه الله في مقبرة النسيم وكثرة من صلوا عليه فيها ووقفوا داعين له بالمغفرة والرضوان وعيونهم مغرورقة بالدموع. القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه ولو شاهدت أيها الأخ العزيز كثرة المعزين من مختلف فئات المجتمع وتدافعهم على أبنائه سامي وأحمد ووليد وبدر ونجيب، للسلام عليهم ولتعزيتهم بمصابهم الجلل بل مصاب الجميع وفقهم الله بل إن الناس يعزي بعضهم بعضاً {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} نقولها ونكررها اتباعاً لقوله عز وجل {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} رحمك الله أبا سامي وجعل ما عملته في حياتك في موازين أعمالك ووفق أولادك وجمع على الحق كلمتهم في أمور دينهم ودنياهم وجعلهم خير خلف لخير سلف، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد