ليست بلادنا وحدها التي تعاني من انحسار الطبقة الوسطى، مقابل ازدياد ثروات الطبقات الغنية، وازدياد الفقراء فقراً، بل إن معظم أنحاء العالم يعاني من معضلة الفقر، ونصف البشر على هذا الكوكب، أي ثلاثة مليارات إنساناً يعيشون تحت خط الفقر، ولا يتجاوز ما يحصلون عليه دولاران أمريكيان فقط يومياً! بل إن ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم تعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم!.
ولكن المختلف في بلاد غنية كبلادنا، تحظى بناتج قومي ضخم، وتتشرف بدستور ديني يجعل الزكاة ركناً أساسياً، تلك الفريضة التي توجب أخذ المال من الأغنياء تطهيراً لأموالهم، وتمنحها إلى الفقراء والمحتاجين، هؤلاء المدرجة أسماؤهم ضمن حالات الضمان الاجتماعي، التي تشارف السبعمائة ألف حالة مستفيدة من الضمان الاجتماعي، وإذا افترضنا جدلاً بأن كل حالة لديها في المتوسط أربعة أفراد، فإن هذا يعني أن لدينا ما يقارب ثلاثة ملايين فقير!.
الغريب أن مستحقات هؤلاء الشهرية لا تتجاوز 2300 ريال لأسرة مكوّنة من سبعة أشخاص، أي أن نصيب الشخص 330 ريالاً تقريباً، فماذا يفعل رب أسرة فقيرة بمبلغ كهذا؟ هل يدفعه لإيجار المسكن؟ أم للمواصلات؟ أم للمدارس ولوازمها؟ أم للعلاج؟ أم للطعام؟ أم للفواتير؟.
الإجابة بكل بساطة لدى النساء الواقفات على أبواب مراكز التسوق يتسولن أرزاً وسكراً وزيتاً، ومن أعينهن يسيل الحزن وذل الحاجة والسؤال، هذا غير النساء اللواتي استقررن في بيوتهن متشحات بالتعفف!
لست هنا ألوم وزارة الشؤون الاجتماعية، التي تصرف سنوياً ما يقارب العشرة مليارات ريال على هذه الأسر الفقيرة، وهي بالطبع لا تملك أن تزيد مستحقاتهم الشهرية أكثر من هذا المبلغ الزهيد، لأن مصدرها الأساس هو إيرادات الزكاة التي تقوم مصلحة الزكاة بجبايتها، ولكن المحزن أن يبقى نظام هذه المصلحة متواضعاً في جباية الزكاة، يشدد على تحصيل زكاة بقالة صغيرة، لا يبلغ دخلها شيئاً يذكر، بينما يتجاهل مصادر وأوعية مهمة للزكاة تبلغ مليارات الريالات، كعروض التجارة أو الثروات المعدّة للتجارة والاستثمار، مثل الأراضي والعقارات الضخمة غير المستثمرة في السكن والتأجير، والأسهم المستخدمة في الاتجار والمضاربة، فلو تم وضع قوانين مشددة، وتم تنفيذها بدقة، لتحقق للضمان الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية الظفر بما يزيد على خمسين ملياراً سنوياً فقط متحصلات الزكاة، فضلاً عن أن الناتج القومي لدينا قد تصاعد كثيراً في السنوات الأخيرة حسب إحصاءات البنك الدولي.
أعتقد أن تشديد دفع زكاة عن الأراضي الضخمة غير المستثمرة، المجمّدة لسنوات طويلة جداً، والتي ورّطت مدننا بالاضطرار إلى التمدد العمراني غير الطبيعي، سيحقق هدفين معاً، تحصيل زكاتها من جهة، أو التهرب من زكاتها، ببيعها من قبل ملاكها إلى آخرين يقومون بالاستفادة منها في التخطيط والبيع والتعمير، وإيقاف انفلات المدن وتحمل ميزانية البلد كلفة الخدمات الضرورية للسكن في أحياء نائية!
لو تخيلنا أن هذه المصادر قد دخلت ضمن أوعية الزكاة، وتضاعفت خزينة الضمان الاجتماعي إلى أكثر من خمس أو ست مرات، فماذا سيحدث لهؤلاء المستفيدين الفقراء؟ أقل الأشياء أن مخصصاتهم الشهرية ستتضاعف أربع مرات على الأقل، وستتحقق الكرامة الإنسانية لهم، بأن يصبح دخل أسرة السبعة أشخاص في أفق العشرة آلاف ريال.
أظن أن الأمر يفوق طاقة مصلحة الزكاة بوضعها الحالي، كإدارة متواضعة ضمن وزارة المالية، بل لابد أن تكون مؤسسة عامة أو هيئة مستقلة، ترتبط برئاسة مجلس الوزراء مباشرة، وتمنح صلاحيات واسعة كي تحقق أهدافها الإنسانية.
yalmohimeed@hotmail.com