الجزيرة- شالح الظفيري - أحمد المطيري
انطلقت مساء أمس قمة العشرين في منتجع ماسكوكا بالقرب من مدينة هانتسفيل الكندية، وهو اليوم التالي مباشرة لانطلاق قمة مجموعة الثمانية الصناعية الكبرى في ذات المدينة..
وبالرغم من أن قمة مجموعة الثمانية قد أتمت مساء أمس يومها الثاني، إلا أن كافة الأعين لا تزال مصوبة تجاه قمة مجموعة العشرين، بل إن شيئًا لافتًا للانتباه أن كافة الاهتمامات الدولية والإعلامية أصبحت تركز على ما يمكن أن تتوصل إليه مجموعة العشرين أكثر من تركيزها على مجموعة الثمانية.. فما الذي حدث في المعادلة الدولية لكي تنفتح المجموعة الفولاذية للثمانية الصناعية الكبرى لكي تصبح مجموعة عشرينية؟
هذا وتشير كافة التصريحات إلى أن قمة مجموعة الثمانية التي عقدت يومي الجمعة والسبت ركزت على قضايا التنمية والأمن، بينما ستركز قمة مجموعة العشرين مساء السبت والأحد على الإصلاحات الاقتصادية والمالية.. فما هو مدلول وضع الإصلاحات المالية والاقتصادية على أجندة قمة العشرين وليس على أجندة قمة الثمانية؟ عن الموضوع تحدث الدكتور حسن الشقطي المحلل الاقتصادي قائلاً: تضم مجموعة الثمانية الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وروسيا الاتحادية وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا.
ويُعدُّ الاتحاد الأوروبي عضوًا بالمجموعة ويمثله في اجتماعات القمة السنوية رئيس المفوضية الأوروبية.
مجموعة العشرين..
تضم المجموعة الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، مع مشاركة كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ورئاسة الاتحاد الأوروبي (فرنسا) ورئيس اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية (IMFC) ولجنة التنمية (DC).
لماذا وضعت قضايا الإصلاح على أجندة قمة العشرين ولم توضع على أجندة الثمانية؟
نشطت مجموعة الثمانية في نقاش قضايا الأمن والتنمية من منظور ربما يكون أقرب للسياسي منه للاقتصادي، حيث اختلط الأمن بالتنمية، وفي الاعتقاد أن الاتفاقيات الأساسية المركز عليها كانت ذات توجهات قطبية..
أما بالنسبة لأجندة قمة العشرين، فقد جاءت أجندة اقتصادية على نحو كبير تركز على بحث سبل مجابهة الأزمات المالية الجديدة، التي أصبحت الآن أزمة مجموعة دولية وليس أزمة دولة واحدة..
البعض كان يتوقع أن يتم الاهتمام بأزمة إنقاذ اليونان من تعثرها المالي وديونها السيادية، ولكن في الحقيقة فإن القمة اتخذت لنفسها هدفًا رسميًا هو الأزمة المالية في أوروبا أو منطقة اليورو ككل.. وفي الاعتقاد أن الخطة الدولية تقوم على مشاركة مجموعة العشرين في التغلب على الأزمة المالية الجديدة القادمة من الاتحاد الأوربي، لأن مجموعة الثمانية لم تعد تمتلك الأدوات الكاملة وحدها لوضع حلول فعالة لهذه الأزمة.. إن تفوق قمة العشرين على قمة الثمانية أصبح ينبع كون هذه القمة الأولى تضم أعضاء منتقين يمكن أن يمثلوا العالم فعليًا في حل ومواجهة أزماته سواء بالمساعدات أو بطرح الحلول.
المعادلة الصعبة
الحفاظ على النمو مع حث أوروبا على التقشف.. هذه القمة هي قمة إنقاذ أوروبا بشكل أو بآخر، ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة فكرة طرح سياسة إنقاذ أوروبا في قمة العشرين وليس في قمة الثمانية، لأنها أصبحت تنتهج منهجًا شموليًا أكثر منه أحاديًا كما كان في الماضي، وهو بشكل أو بآخر نوع من توسيع دائرة متحملي ومصممي شكل وحجم برنامج الإنقاذ من الأزمات..
إن الدول الثمانية الكبرى التي تضم أربع دول أوروبية في الاعتقاد هي التي دعت مجموعة العشرين للمشاركة في صياغة البرنامج العالمي لإنقاذ أوربا.. إن التحدي الأكبر الذي يواجه قمة العشرين هو السعي لوضع حد للأزمات المالية المتعاقبة من خلال مناقشة سبل وآليات الإصلاح المالي والاقتصادي بوجه عام، مع سبل وآليات مواجهة أزمة الديون السيادية بأوروبا ككل.. إن هذه القمة تبدو أصعب من سابقتها لأنه في الوقت الذي تسعى فيه القمة للحفاظ على إيجابيات برامج الانتعاش الاقتصادي الذي تمسكت به في القمة السابقة، فإنها هذه المرة وفي نفس الوقت تسعى لإقرار برامج للتقشف المالي في أوروبا ككل لعلاج العجوزات المالية المتنامية لديها.. أي استهداف التقشف في منطقة اليورو مع الحرص على ألا يتحول إلى ركود عالمي.
المساعدة الحقيقية تتدفق من دول العشرين خارج (الثمانية)
من الأمور المستغربة أن القضية الرئيسة التي أصبحت تناقشها قمة العشرين هي مدى وفاء الأعضاء بتعهداتهم تجاه القرارات والإجراءات التي يتم اتخاذها.. والشيء المستغرب حقًا أن كافة التصريحات تؤكد أن الدول الممثلة لمجموعة الثمانية الكبرى داخل قمة العشرين هي الدول الأقل التزامًا بتعهداتها، حيث إن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا لم تف بتعهداتها، في حين قدمت كل من اليابان وفرنسا وألمانيا مساعدات أقل مما تعهدت به.. أما إيطاليا، فلم تقدم أيًا من الأموال التي وعدت بتقديمها.. في المقابل لا توجد دلائل على عدم وفاء الدول الأخرى خارج نطاق الثمانية بتعهداتها.
هل هي قمة مكافحة الفقر أم إقراره؟
لقد بادرت الكثير من المجموعات النشطة منذ أيام في التظاهر والاحتجاج على بدء قمة العشرين وانطلاقها من منظور تقشفي في منطقة أوروبا، الذي من المتوقع بقوة أن يؤدي إلى قيادة العالم إلى حالة من الركود الاقتصادي أو على الأقل سيتسبب في تراجع معدلات النمو، بل إن هذه البرامج التقشفية التي من المحتمل إقرارها في مناطق أوروبية معينة، ترتكز في أجزاء رئيسة منها على الحد من التوظف والحرص على عدم رفع مستويات الأجور وتقليص النفقات الحكومية، أي أن فقرًا يزداد في مناطق معينة.. بالرغم من أن بعضًا من هذه المناطق هي أصلاً تعاني من الفقر وارتفاع معدلات البطالة..
لذلك، فإن الكثير من المراقبين يرون أن القمة الجديدة لو حسبت فإنما تُحسب لإقرار الفقر وليس مكافحته.
المنطقة العربية في أمان من البرامج التقشفية نسبيًا
هذه البرامج التقشفية إن أقُرت فسوف تقر في منطقة اليورو، وربما في بعض الدول الأوروبية الأخرى خارجها، وتُعدُّ الدول العربية والخليجية تحديدًا بعيدًا عن نطاق التأثر المباشر بهذه البرامج، إلا أن الركود الاقتصادي المحتمل في سياقها قد يكون له تأثير بشكل غير مباشر على بعض الأقطار الخليجية.من جانبه قال الدكتور عبد العزيز داغستاني: إن قمة العشرين الحالية تنعقد في ظروف اقتصادية ومالية عالمية ملحة أهمها مشكلة الديون في القارة الأوروبية وهي مشكلة تلقي بآثارها بالضرورة على اقتصادات العالم بأسره سببه الأهمية الاقتصادية والمالية والتجارية للمجموعة الأوروبية بالإضافة إلى تبعات الأزمة المالية العالمية التي عصفت باقتصاد العالم بأسره وإن كانت بنسب متفاوتة منذ حصولها عام 2008 م والآن يبدو العالم متخوفًا من مشكلة مالية جديدة تتعلق بمديونية اليابان وهي دولة مؤثرة في الاقتصاد العالمي ولهذا فإنه من الضرورة أن تبحث قمة العشرين في كندا التي تمثل نحو 90 في المئة من الناتج العالمي من الضرورة أن تبحث هذه الدول عن حلول لمعالجة هذه الأزمات والخروج منها بأقل التكاليف الممكنة وأعتقد أن المملكة العربية السعودية كعضو في هذه المجموعة وكدولة لها ثقل اقتصادي في العالم ستقدم أجندة عملية تتركز على دورها الاقتصادي في استقرار الاقتصاد العالمي للخروج من هذه الأزمة ويبدو أن المملكة من الممكن أن يكون لها دور فاعل في استقرار سوق البترول وذلك يرتبط بالضرورة بالعمل على خلق مناخ مناسب لوجود سعر عادل للبترول عند مستوى 70 دولارًا أمريكيًا للبرميل حتى يكون ذلك دافعًا لاستقرار الاقتصاد العالمي دون أن يؤثر ذلك على الدول المنتجة للبترول وخصوصًا المملكة التي تتصدر هذه الدول وتتبنى إستراتيجية التنمية المستدامة تقوم حاليًا بالتركيز على بناء بنية تحتية ضمن إستراتيجية لتوزيع التنمية على كافة المناطق للإبقاء على الزخم التنموي ولعل نهج المملكة العربية هذا سيسهم إلى حد كبير في طمأنة الأسواق العالمية بأن إمدادات البترول لن تتأثر وأنها ستكون في مستوى سعري معقول.
أما الدكتور عبد الرحمن السلطان محلل اقتصادي فقال: إن المملكة باعتبارها تملك أكبر مخزون نفطي في العالم وأكبر منتج للنفط في العالم أيضًا لها دور رئيس في تحقيق الاستقرار للسوق النفطيّة، حيث ينعكس هذا الاستقرار على قدرة الاقتصاد العالمي على التعافي من آثار الأزمة العالمية، والمملكة باعتبارها الدولة العربية الوحيدة المشاركة في قمّة العشرين وهي أيضًا الدولة الوحيدة العضو في منظمة أوبك المشارك أيضًا في مجموعة العشرين يجعلها في موقف قوي للمشاركة في صنع القرار الاقتصادي العالمي والتأثير على النظام المالي والاقتصادي العالمي الجديد بما يخدم المجموعات الاقتصادية التي تمثّل المملكة وتمثّل مصالحها.
من جانب آخر فإن المملكة وبما تملكه من فوائض مالية كانت من بين الدول القلائل في مجموعة العشرين التي استطاعت تنفيذ سياسة مالية محفزة دون الاضطرار إلى الاقتراض مما يجعلها في موقف قوي للاستمرار في خطط تحفيز اقتصادها دون أن تقلق على تأثير ذلك على استقرارها المالي المستقبلي باعتبار أنها ليست مضطرة ولا بحاجة إلى الإقراض لتمويل إنفاقها الحقيقي».