Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/06/2010 G Issue 13786
الأحد 15 رجب 1431   العدد  13786
 
لقطة العجلان.. من (الحملة) على (العبيكان)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

 

وفّرت زيارتي إلى العاصمة الرياض قبل أكثر من أسبوعين فرصة ثمينة لي؛ فقد تعرفت على صرح إنساني عملاق، هو (مركز الأمير سلمان الاجتماعي)، الذي اطلعت عليه من قرب، ووقفت على الجهود الكبيرة المبذولة فيه، من أجل...

... خدمة ورعاية كبار السن، وهذا ما سوف أكشف عن بعض جوانبه المشرقة في (ريبورتاج) مصور خلال الأيام القادمة إن شاء الله. كما استفدت حقيقة، من لقاء عدد من مسؤولي الثقافة في وكالة وزارة الثقافة والإعلام، والإدارة العامة للأندية الأدبية، إلى جانب مسامرات ومثاقفات مفيدة، شهدتها مع أدباء ومثقفين من مختلف التوجهات في العاصمة، وكان من بين هؤلاء جميعاً، الأديب الذي كان (يقبل رؤوس رجال المرور) في ماضي الزمان..! وهو الأستاذ (منصور بن عبدالله العمرو)، الذي كتب عني مقال الأسبوع الماضي، فما نالني من بعض قراء المقال إياه، إلا ظنه السيء بي، وأني أنتقد نظام (ساهر)، لأني قدت - في زعمه - سيارة في شوارع الرياض، وعوقبت بمخالفة من (ساهر)، الذي لا يدع شاردة ولا واردة إلا عاقبها..! وما درى هذا البعض، أني لم أقد سيارة في حياتي في الرياض بالذات، ولو فعلت ذلك ذات يوم، لضعت في شوارعها، وتهت في حاراتها، وهمت في أسواقها..!

يتميز الوسط الثقافي في الرياض، بأنه متابع جيد، ومناقش لبق، وناقد شفاف، حتى أنه لا يدع ما يسمع أو يقرأ أو يرى في يومه وليلته، إلا نخله وغربله بأسلوبه اللاذع، وكان أسبوع زيارتي للرياض، هو أسبوع (فتوى رضاعة الكبير).. إن صحت تسميتي هذه، فما كان يدور حديث في الرياض إلا وفي صلبه هذا الكبير ورضاعته.. متى يرضع..؟ وكيف يرضع..؟ وممن يرضع..؟ ولماذا يرضع..؟ وماذا لو لم يرضع أصلاً..؟ وما حاجتنا لكبير يرضع..؟! وهل نحن في حاجة إلى فقه أو نسق ثقافي جديد يدخل حياتنا اسمه: رضاعة الكبير من المرأة الأجنبية..؟! إلى غير ذلك مما كانت تعج به مجالس الرياض ومنتدياتها في الأسبوع إياه.

الأمر الملفت على خلفية فتوى الشيخ العبيكان في رضاعة الكبير -وهو الذي لم تغفله أو تفوته مسامرات ومثاقفات مجتمع الرياض- أن كثيراً من الأقلام، التي إما أنها اصطفت مع فتوى تكفير مبيح الاختلاط، وبررت فتوى هدم البيت الحرام، إلى غير ذلك من الفتاوى الشاذة، بل الكارثية في حياة الأمة، أو أنها سكتت وهادنت أو داهنت.. هذه الأقلام، التي كانت تعتبر بأن لحوم شيوخها مسمومة، ومنهم لحم الدكتور (عبدالرحمن البراك)، ولحم الدكتور (يوسف الأحمد)، هي الأقلام ذاتها التي تنهش اليوم في لحم الشيخ (عبدالمحسن العبيكان)، من أجل إجابة عارضة على سؤال هو الآخر عارض، ليته سؤال لم يكن، ولم يُستدرج الشيخ عبدالمحسن إلى هكذا موقف، حتى أصبح لحمه غير سام عند شانئيه والمتربصين به.

سوف أكتفي بنموذج واحد فقط في هذا الموقف الغريب، الذي يكشف عن حال الحركة الحزبية في ربوع الوطن -لم أجد لفظة أجمل من الوطن، فليعذرني هؤلاء الذين لا يستسيغونها- فهجوم القوم الشرس على الشيخ العبيكان، لم يكن من أجل فتوى رضاعة الكبير ولا يحزن الصغير عوضاً عن الكبير، وإنما كانت دوافعه حزبية بحتة، بدليل: أن الدكتور (ناصر العمر)، سبق وأن أفتى بهذه الفتوى قبل ثلاثة أعوام، ونشرت فتواه في تحقيق صحافي منشور في مجلة الدعوة، في العدد 2036 يوم الأربعاء 22 جمادى الأولى 1428هـ، ونص إجابته كالتالي: (الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم وبعد: الحديث صحيح. رواه مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- ونَصُّه: قالت عائشة: «إنَّ سَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ -تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ- النَّبِيَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِماً قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً. فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ». فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ.

ولا يلزم من ذلك أن يكون رضع ثديها؛ لأنها لم تكن محرماً له، ولا يجوز أن يمس شيئاً منها ما دام أجنبياً فكيف بالثدي، ولكن تقوم المرأة بوضع الحليب في إناء؛ ثم يشربه على أن يكون خمس رضعات. وقد اختلف العلماء تبعاً لاختلاف زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هل هو عام أو خاص؟ فذهب البعض إلى أنه عام، وهو قول عائشة -رضي الله عنها- وقيل خاص لسالم ولسهلة، وقال به بعض أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- وذهب شيخ الإسلام، أنه يجوز إذا وجدت الحاجة، كما حدث في قصة سهلة وسالم، وهذا هو الراجح، فإذا وجدت العلة وجد الحكم، ولا دليل على الخصوصية. أما أولئك الذين يسخرون ويتهكمون فيخشى على دينهم؛ لأن هذا عمل أهل النفاق في كل زمان ومكان، كما قال سبحانه: )َإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ)(التوبة: 124-125).

كانت الفتوى كما أسلفنا عام 1428هـ، وهذا هو الرابط http://www.aldaawah.com/?p=1139، ولكن بعد أن بدأ التشنيع على الشيخ العبيكان والتشفي منه، قام الدكتور (ناصر العمر)، بالتعديل والإضافة على فتواه في موقعه، بتاريخ 18-6-1431هـ قائلاً: (أما إذا كان كبيراً، كأن يكون بعد العاشرة فما فوق، فلا يجوز ذلك، والقول به ضعيف، ويترتب عليه مفاسد لا تنكر؛ لذا لا أرى الإفتاء به، والله أعلم).

ثم ذكر في الشروحات ما نصه: (اختيار العاشرة؛ لأنها السن التي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها بضرب الولد على الصلاة، وأمر بالتفريق بينهم في المضاجع، وفي مثل هذه السن أو قبلها يبلغ مبلغ الرجال ويعقل ما عقلوا).

وهذا كما هو واضح، قول محدث، واستنتاج جديد، لم يسبقه إليه أحد من العلماء كما أعلم، وهو (سن العاشرة) كما ذكر.

أمر آخر يوضح التناقض عند الدكتور العمر في هذه المسألة، ففي أول فتواه أعلاه، يرجح رضاعة الكبير ويقول : (وهو الراجح)، ثم يأتي في آخرها -أي بعد التعديل- ويقول: (أما إن كان كبيراً، فلا يجوز ذلك)..!! ثم يقول: (لذا لا أرى الإفتاء به)..؟!! إنه أمر عجيب ومحير حقاً. انظر هذا الرابط http://almoslim.net/node/62913

كما أن العمر ذاته، ينشر أيضا فتوى للخضير في موقعه، تجيز رضاعة الكبير، وترجح هذا القول الذي يشنع هو ومن معه بموجبه على الشيخ العبيكان..! انظر هذا الرابط (http://almoslim.net/node/52854)

غادرت الرياض وأنا أسأل نفسي: إذا لم تكن هذه هي الحزبية الانتهازية المقيتة، فماذا عساها تكون يا ترى؟!



assahm@maktoob.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد