الرياض - خاص بـ «الجزيرة» :
أرجع داعية إسلامي سبب ظاهرة التكفير إلى قلة الفقه في الدين، وضعف العلم بالشريعة، والابتعاد عن علماء الشريعة الكبار والزهد فيهم، مؤكداً أن كثيراً من الغلاة في التكفير وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب الأخذ ببعض النصوص دون البعض، والاعتماد على المجملات والمتشابهات دون المحكمات مع غياب واضح للمنهج السليم في فهم النصوص والاستدلال بها.
جاء ذلك في حديث للدكتور ماجد بن محمد المرسال المدير العام للتوعية العلمية والفكرية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عن ظاهرة التكفير، حيث تناول فيه تعريف التكفير، والفرق بين تكفير المطلق، وتكفير المعين، وخطورة التكفير وما يترتب عليه من أحكام دنيوية، وأخروية، والنصوص الدالة على خطورة التكفير، مواقف الناس في قضية التكفير.
وفي بداية حديثه ل « الجزيرة «: عرف التكفير بأنه: وصف المسلم بالكفر، والكفر في لغة العرب هو الستر والتغطية. والكافر هو ضد المؤمن، وسمي كافراً لأنه يغطي الحق ويستر النعمة من ربه، أما تعريف التكفير في الاصطلاح فهو: وصف المسلم بالكفر والحكم عليه بالخروج من الإسلام، وبيّن أن الكفر جاء في النصوص على قسمين: الكفر الأصغر: وهو الذي لا يخرج من الملة ولا يخلد صاحبه في النار يوم القيامة أمثلته (قتال المسلم فسوق وقتاله كفر) (كفارات عشير) (من انتسب إلى غير أبيه فقد كفر)، أما القسم الثاني فهو الكفر الأكبر: وهو الذي يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار أمثلته: ?يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ?، ?لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ?، مشيراً إلى أن المراد بالتكفير هو الحكم على المسلم بالكفر الأكبر المخرج من الملة.
بعد ذلك تحدث د. المرسال عن الفرق بين تكفير المطلق، وتكفير المعين وقال: إن التكفير المطلق هو وصف القول، أو الفعل، أو الاعتقاد بالكفر كقولنا في الاعتقاد من شك بالله فقد كفر، وفي القول من استهزأ بالله فقد كفر، وفي العمل من ذبح لغير الله فقد كفر ومن دعا غير الله فقد كفر، أما التكفير المعين هو الحكم على شخص بعينه فلان بن فلان كافر، وليس كل من فعل الكفر أو قاله يكفر، فيقال فعل فلان كُفر أو قوله كفر، أو اعتقاده كفر، لكن لا يكفر حتى تتوفر الشروط وتنتفي الموانع (الجهل، الإكراه، التأويل، عوارض الأهلية)، موضحاً أن من يحق له تكفير الأعيان: هي المحاكم الشرعية والقضاة فحسب.
وانتقل الدكتور المرسال بعد ذلك للحديث عن خطورة التكفير، حيث قال: تتبين خطورة التكفير بإدراك ما يترتب عليه من أحكام دنيوية، وأخروية مستعرضاً الآثار المترتبة على التكفير ومنها: الآثار الدنيوية وتتجلى في تنفيذ حكم الردة عليه وهو القتل كما قال صلى الله عليه وسلم -: (من بدّل دينه فاقتلوه)، وفي هذا استباحة لدم المسلم الذي الأصل فيه التحريم والعصمة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»، وكذلك تحريم زوجته عليه، ووجوب التفريق بينه وبين امرأته، لأنها مسلمة وهو كافر، ولا يجوز له نكاح المسلمة بالإجماع كما قال تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن}، ومن الآثار سقوط ولايته على أولاده لأنه كافر، وسقوط حق الولاية والنصرة عن المسلمين وتحريم محبته ومودته،وعدم جريان أحكام المسلمين عليه عند موته فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يستغفر له، ولا يرث المسلمين ولا يرثونه لأنه كافر.
واسترسل د. ماجد المرسال قائلاً: أما الآثار الأخروية فيترتب على تكفيره وموته على الكفر الحكم عليه بالعذاب واللعنة والخلود في النار و حبوط عمله وحرمانه من رحمة الله تعالى ومغفرته لقوله تعالى:» إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» وقوله تعالى:» ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» والحكم عليه بهذه الأحكام الأخروية مع عدم كفره هو بغي وظلم وعدوان على المسلم وتألٍ على الله تعالى.
وعقب ذلك عرض فضيلته النصوص الدالة على خطورة التكفير، ومنها قوله تعالى:?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً?، وفي الحديث: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما.
واستعرض فضيلته مواقف الناس في قضية التكفير، وقال: عند التأمل في التاريخ والواقع المعاصر نجد الناس في قضية التكفير على ثلاثة مواقف: الأول: الغلو في التكفير، الثاني: الغلو في إنكار التكفير، والثالث: الاعتدال في قضية التكفير.
وخلص الدكتور ماجد المرسال إلى القول: إن كثيراً من هؤلاء الغلاة لم يؤتوا من جهة ديانة وتقى وعمل صالح، ولكنهم أتوا من جهة ضعف العلم والبصيرة، كما جاء وصفهم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وقيامه إلى قيامهم وقراءته إلى قراءتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، فهم يعانون من فساد الفكر لا من فساد الضمير، ولكن الصلاح وحده لا يكفي للإصابة، وكان أئمة السلف يوصون بطلب العلم قبل التعبد، كما قال الحسن البصري: (العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلباً لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلباً لا يضر بالعلم، فإن قوماً طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم .