روى الترمذي في سننه، عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) فدل هذا الحديث على أن الإنسان سوف يسأل يوم القيامة، عن أشياء مهمة في حياته، منها: (ماله من أين اكتسبه)، أي من أين جمعه وتحصل عليه، (وفيم أنفقه)، أي أين صرفه، وماذا اشترى به، ومن أعطاه ! هل كان ذلك فيما يرضي الله، أم كان في غير ذلك!
فيتأكد على المسلم إدراك أهمية المال جمعا وإنفاقا، وتحري الأوجه المشروعة في ذلك، والحذر من المجالات الممنوعة والمحظورة شرعا في باب كسب المال وإنفاقه، ومن أخطرها: إعانة أهل الباطل ومساعدتهم وتموينهم، وعلى رأس هؤلاء، من عرف بأنه يستخدم أموال المحسنين من المسلمين لإرهابهم، وزعزعة أمنهم، والجناية على أنفسهم وأموالهم، وتخريب ممتلكاتهم الخاصة والعامة، أقصد الفئة الضالة أصحاب الفكر المنحرف، الذي أثبت الواقع استحلالهم لأموال المسلمين كاستحلالهم لدمائهم المعصومة، وقد رأينا وسمعنا ما يوجد من أموال طائلة في حوزة من قبض عليه من هؤلاء، فقد بلغت مئات الآلاف التي يعجز عن جمعها كثير من التجار ورجال الأعمال والموظفون، ولكن أولئك تحصلوا عليها وهم أحداث كما وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل بعضهم من طلاب الجامعات، التي لا تتجاوز مكافأة أحدهم مئات الريالات، فلا شك في وجود من يمول هؤلاء ويعطيهم من ماله الذي سوف يسأل عنه يوم القيامة. وتمويل المفسدين في الأرض جريمة كبرى، وتعاون على الإثم والعدوان، وإعانة لانتشار الفساد في الأرض، وهذا من الأمور المحرمة في الشرع، يقول تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من آوى محدثا) واللعن معناه الطرد والإبعاد من رحمة الله نسأل الله السلامة والعافية، يقول ابن حجر: وفيه -أي في الحديث- أن المحدث والمؤوي للمحدث في الإثم سواء.
ونحن في هذه البلاد، من باب حبنا للدين، ونفع المسلمين، والحرص على الصدقات ومساعدة المحتاجين، ودعم الجهات الخيرية، صرنا مطمعا لكثير من ضعاف النفوس والمحتالين والنصابين، والواقع أكبر برهان، فقد أخذت أموالنا بحجة الجهاد في أفغانستان، إلى درجة أن بعض نسائنا لم يجدن ما يتبرعن به إلا ما يلبسن من حلي وزينة، فما هي النتيجة؟ والبعض الآخر أخذت أمواله، بحجة نشر الدين ودعوة المسلمين، وتفطير الصائمين، وكفالة الأيتام، وتحفيظ القرآن، وحفر الآبار، والأضاحي وكفارات الأيمان، ولكنها سرعان ما صارت أثمانا لقنابل وأسلحة تستخدم ضد المسلمين الآمنين، ومعاذ الله أن نتهم جمعياتنا الخيرية، أو مؤسساتنا الإنسانية، ولكنها حقيقة لابد من ذكرها، ليعلم المسلم أنها ليست كل بيضاء شحمة فليحذر ويحرص على ألا يضع ماله إلا بيد صادق أمين، لتصل صدقته ونفقته في المجالات التي ترضي الله عز وجل . وليعلم المسلم أن من يستحل إراقة دمه، ويستبيح إزهاق نفسه، لا يتورع أبدا، عن الكذب عليه وأخذ ماله، واستعماله ضده وضد أمنه، وقد سعت الدولة -وفقها الله- لقفل هذا الباب، فوضعت الأنظمة، وقطعت الطريق أمام هؤلاء، فأنشأت الجمعيات الخيرية، ونظمت جمع التبرعات، وحذرت وأنذرت، على ضوء حقائق ووقائع، وحوادث وأحداث، وأشياء ثابتة، ووالله إنها لتستحق منا الثناء والدعاء، ومن واجبنا نحن أن نشكر الله عز وجل أولا أن وفق ولاة أمرنا إلى التصدي لهؤلاء الظلمة الكذبة المحتالين، ثم نسأله التوفيق لكل من يعمل جاهدا لحفظ أموالنا، والأخذ على أيدي سفهائنا.
ومن هنا رسالة أوجهها لهؤلاء الذين لا يتورعون عن الكذب على المسلمين، والاحتيال عليهم لأخذ أموالهم، لتكون وسيلة لتنفيذ خططهم ومخططاتهم، التي لا ترضي الله عز وجل، والتي تنافي تعاليم الدين وتوجيهاته، فأوصيهم بأن يتقوا الله، وأن يحذروا مغبة فعلهم المشين، وعواقب عملهم السيء، فإن عليهم وزرهم وأوزار غيرهم، يقول تبارك وتعالى : {َمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} فجمع أموال المسلمين، لنسف مساكنهم، وتخريب مدارسهم، وتدمير مصانعهم، ونسف جسورهم، واختطاف طائراتهم، وتفجير أنابيب نفطهم، من الفساد في الأرض، الذي نهى الله عنه يقول تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}.
وأخيراً على من استأمنه الناس، ووثقوا به، ليكون نائبا عنهم في توصيل نفقاتهم وتوزيع زكواتهم، عليه أن يتحرى من يضع في يده هذه الأموال وليتذكر سؤال الله له عنها.
* حائل